الخميس, 21 نوفمبر 2024, 19:36
نافذة الرأى

ثروت محمد يكتب عن : إقتصاد الحشاشين

 

بقلم : الكاتب الصحفي ثروت محمد

أثار مسلسل الحشاشين للمولف عبدالرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي والنجم كريم عبدالعزيز الذى عرض مؤخرا أيام شهر رمضان تجاذبات وخلافات بين المشاهدين والنقاد وتيارات الإسلام السياسى.
منا من وجد فيه عملا فنيا ناجحا أعاد للدراما المصرية مكانتها التى تراجعت عنها أمام المسلسلات التركية والشامية.
ومنا من اعتبر المسلسل حلقة ضمن سلسلة الأعمال الموجهة التى تستهدف جماعات الإسلام السياسى ..
ومصيره إلى النسيان مثل مسلسلات الاختيار١و٢ والجماعة ١و٢ وأعمال أخرى. فأين الحقيقة من كل هذا ؟

بداية يجب الإشادة بمؤلف العمل واختياره لفكرة المسلسل .. وتقديمه عملا فنيا بعيد عن الشخصيات التاريخيةالإسلامية الإيجابية الملائكية التى قدمتها الدراما المصرية.
كتب عبدالرحيم كمال مؤلف العمل قصة جماعة الحشاشين التى تأسست 483هـ/1090م وجرت احداثها بقرب نهاية القرن الخامس الهجرى تقريبا .
فهى دعوة لفرقة شيعية نشأت عقب حدوث انقلاب على ولى عهد الخليفة الفاطمى بمصر المستنصر بالله الذى عهد بخلافته لأبنه الأكبر نزار.

لكن الوزير المصرى بدر الدين الجمالى أزاح ولى العهد نذار ومنح الخلافة لابنه المستعلى بالله 487- 495هـ/1094 – 1101م.ومن هنا بدأت فكرة الدعوة للإمام الغائب «نزار» أو الدعوة النزارية على يد حسن أبن الصباح المولود ٤٣٠ هـ الذى كان ينتمى للمذهب الإسماعيلى ثم انضم للمذهب الفاطمى فى مصر وعلم من الخليفة الفاطمى المستنصر بالله أن ولاية العهد والخلافة لابنه الأكبر نزار.

استقر الحال بأبن الصباح واتباعه ومريديه فى أصفهان من بلاد فارس وبالتحديد قلعة قلموت الحصينة. مدشنا مذهب النذارين أو عودة الأمام الغائب نذار والدعوة اليه .ولكى يحقق حسن ابن الصباح هدفه من نشر مذهب الدعوة النزارية والدعوة للإمام الغائب قام بحشد المريدين للدعوة لعودة الأمام الغائب وتربيتهم على مبدأ السمع والطاعة وقتل المعارضين للدعوة وتصفية العلماء والتأمر على الأمراء والخلفاء والحكام .

نجح «أبن الصباح» فى تحقيق الفوضى والاضطرابات للدولة الإسلامية العباسية والسلجوقية وصار له أتباع فى بلاد فارس والشام ولم يستطع اقتلاع هذا المذهب غير جيوش التتارأو المغول عام 654هـ باستسلام قلعة قلموت ،فلماذا يا ترى أغضب هذ المسلسل تيارات الإسلام السياسى؟

الحقيقة الجلية التى ركز عليها المسلسل توظيف الدين للاغراض السياسية .وهى التهمة التى تطارد تلك الجماعات .
لكن من الظلم اعتبار جماعات الإسلام السياسى لوحدها هى الأبن الشرعى لمنهج طائفة الحشاشين أو فكر حسن أبن الصباح.
تاريخ مصر الحديث يحدثنا عن وجود تنظيمات سياسية غير دينية استخدمت القتل والتصفية الجسدية منهجا لتنفيذ اهدافها .
مقتل أمين عثمان وزير مالية مصر ومقتل بطرس بطرس غالي باشا ومقتل كثير من السياسين المصريين اليهود والمسيحيين ومقتل قادة من الجيش الانجليزى وغيرهم فى ذلك الوقت تم على أيدى تنظيمات مصرية مسلحة قبل أن تبرز جماعة الأخوان المسلمين للوجود .

ربما يقول قائل أن هذه التنظيمات استهدفت أعداء الوطن والعملاء للاستعمار الاجنبى.
هذا صحيح لكن الصحيح أيضا أن مبدأ التصفية والقتل لتحقيق أغراض سياسية لا يتجزاء وقد تم اعتماده من قبل الحزبيين فى تاريخ مصر الحديث فمن يملك الحقيقة الكاملة ليحدد أن هذا وطنى وهذا خائن وعميل ؟ ومن يملك أن يقتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق غير القاضى العادل وولى الأمر.
وكما استخدم «حسن أبن الصباح» زعيم طائفة الحشاشين الدين لتحقيق أغراض سياسية ، جاءت من بعده جماعات الإسلام السياسى فى التاريخ الحديث وسلكت نفس المنهج.

والشيء نفسه فعلته تنظيمات حزبية علمانية باستخدام الوطنية والقومية وتوظيفها سياسيا وتحت راية الوطنية والقومية تم سحق الخصوم وسحلهم فى العراق وسوريا واليمن وسجن السياسين فى مصر وغيرها طوال ال١٠٠ عام الماضية.
توظيف الدين وتوظيف الوطنية وجهان لعملة واحدة وهى الاستحواذ على السلطة وعدم التفريط فيها بأسم الوطنية تارة وبأسم الدين تارة.

«حسن الصباح» صاحب مفتاح الجنة ومؤسس فكر ومنهج طائفة الحشاشين منذ القرن الخامس الهجرى هو نفسه شيخ القبيلة الذى انتصر فى الحرب بوسائل الكيد والغدر والتصفية وأقام دولة.
هو نفسه المرشد الأعلى فى بلاد فارس وهو نفسه مرشد الجماعة وأمير الجماعة تكفير وهجرة كانت أو تنظيم الأخوان أو الفرق الإسلامية فى العصر الحديث هو نفسه أمير الجماعة وهو نفسه صاحب البدلة الشيك الأنيق الديكتاتور الذى استبد بالحكم وحسم على حكم البلاد والعباد سنوات طويلة فى العصر الحديث .
تعددت الأسماء والفكر واحد الاختلاف ربما فى الزى أو الطريقة فى تنفيذ الاهداف.

نحن أمام عمل فنى بذل فيه المخرج بيتر ميمي مجهودا كبيرا وقدم فيه دراما فنية عبر مشاهد حققت الهدف من فكرة المسلسل.
فهذا التابعى الذى إلقى بنفسه من أعلى قلعة قلموت استجابة لهمسة من شيخه مؤسس مذهب الدعوة النزارية حسن أبن الصباح أثناء حديثه مع وفد الفرنجة.
ومشاهد إسقاط الدول من الداخل باغتيال الوزراء وتجنيد المحيطين بالسلاطين داخل دوائر الحكم .

وهذا المشهد الذى يتحاور فيه الإمام ابوحامد الغزالى مع ذلك الشاب الباطنى الذى أرسله «أبن الصباح» ليقتله فقال له الإمام: إننى حزين ليس لأنك تريد قتلى .. لكنى حزين لأنك سلمت عقلك لغير الله.
نعم تسليم المريدين عقولهم لغير الله لشيخهم أو الأمير أو زعيم القبيلة هو الكارثة الحقيقية.. هو بداية الدائرة الجهنمية من القتل بأسم الدين.

نجح مخرج العمل فى تقديم هذه الرسالة وقدم جديدا فنيا فى مشاهد إدارة المعارك الحربية صحيح أن هذه المشاهد تقترب كثيرا فى حركة المشاركين وملابسهم بالمعارك الحربية لحروب الدولة العثمانية والسلطان مراد من المسلسل التركي «قسم».
لكن الصحيح أيضا أن المخرج قدم لوحات فنية جديدة فى إخراج المعارك الحربية من حيث الملابس والأسلحة والالتحام .

صحيح أسرف مخرج العمل فى تكثيف مشاهد بقع الدماء الحمراء وحذ الرؤس وغرس الخناجر وبقر البطون طوال المسلسل لكنها كانت موظفة لتؤكد رسائل أبن الصباح الدموية لصالح المسلسل .
الاقتباس كان حاضرا فى مشهد قتل الفتيات الحوريات لرئيستهم التى تأمرهم بممارسة الرذيلة مع الاتباع الموعودين بالجنة بالخناجر المنحوتة من الرخام الحاد.. فقد تم اقتباس هذا المشهد من مسلسل «ايليت» الإسبانى عندما تجمعت السجينات وعقدوا محاكمة لمدير الإصلاحية وتم التناوب عليه بالطعن بالخناجر المنحوتة من الرخام.
مسلسل الحشاشين لم يكتب تاريخ جماعة الجشاشين ، بل هو عمل فنى به من الحقيقة وبه من الخيال وبه من الكذب أحيانا.
فالكتابة التاريخية كما يقول الراحل المؤلف وكاتب السيناريو مصطفى محرم هى حقيقة خاصة أو حقيقة جزئية تختص فقط بزمن ومكان وقوعها.

أما تراث الفن من الأعمال الإبداعية فى الآداب والفنون، فهو تراث قد ينتمى إلى التاريخ بوجه عام شكلا، لكنه فى الحقيقة ينتمى إلى الإنسانية فى كل زمان ومكان. فعمل المؤرخ بما قد حدث وعمل المبدع بما قد يحدث أو ما يمكن أن يحدث.غدا.

الكتابة التاريخية تهتم بالتفاصيل والجزئيات والكتابة الابداعية الفنية تهتم بما هو كلى وما يجب أن يكون عليه غدا.

من حق جماعات الإسلام السياسى أن تغضب من هذا المسلسل .. ومن حقنا أن نشاهد أعمال درامية تتناول بحرية كل ما هو مثير وكل ما يحقق الإثارة العقلية.وكل ما يساهم فى زيادة الوعى.
الأمر متروك للمشاهد ليحدد نجاح أو فشل هذا العمل أو غيره.
حسن أبن الصباح مؤسس الدعوة النزارية موجود بيننا بدرجات متفاوته تجده فى بلاد العرب سلطانا ورجل دين وتجده فى بلاد الشام ومصر جنرالا أو شيخا معمما.. هو موجود بيننا وإلا لماذا نحن هنا وأمم من حولنا سبقتنا وتقدمت ونحن ندور فى نفس الدائرة منذ عقود.