الجمعة, 7 فبراير 2025, 14:56
تكنولوجيا واتصالات نافذة الرأى

عبير فؤاد تكتب : الذكاء الاصطناعي يرسم مستقبل التعليم

بقلم : الكاتبة الصحفية عبير فؤاد

في خضم التحولات التكنولوجية السريعة، يبرز الذكاء الاصطناعي كظاهرة مُغيرة للمشهد التعليمي، وبخاصة تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي الشهير “شات جي بي تي”. الذي قدم منذ إطلاقه في نوفمبر 2022، إمكانيات هائلة للطلاب في مختلف أنحاء العالم.

ولكن كيف ينظر الطلاب إلى هذه الأداة؟ وما هي انطباعاتهم عنها؟ هذا ما حاولت دراسة عالمية الإجابة عليه. لتكشف لنا حقيقة مذهلة هي أن طلابنا يتعاملون مع هذه التقنية بحكمة ربما تفوق توقعاتنا. فهم لا يرون في ChatGPT مجرد أداة للغش أو تجاوز المهام الأكاديمية، بل يستخدمونه كمساعد ذكي يفتح أمامهم آفاقاً جديدة للتعلم والإبداع.

الأرقام تتحدث بنفسها، فحوالي 68% من الطلاب يجدون في هذه التقنية وسيلة فعالة لفهم المفاهيم المعقدة، و69% يؤكدون أنها عززت معرفتهم العامة. هذه النتائج تدحض المخاوف التقليدية من أن التكنولوجيا ستقوض جودة التعليم. بل على العكس، يبدو أن طلابنا يستخدمون هذه الأداة بذكاء. إذ يستعينون بها في ثلاث مجالات رئيسية هي العصف الذهني وتوليد أفكار جديدة، وتلخيص المعلومات وتبسيط المفاهيم المعقدة، والعثور على المصادر البحثية بسرعة. لكنهم يحتفظون بإبداعهم الشخصي في مجالات مثل الكتابة الإبداعية والمهنية.

أجريت هذه الدراسة على أكثر من 23 ألف طالباً في المرحلة الجامعية في 109 دولة حول العالم. بهدف فهم كيفية إدراكهم لاستخدام تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي. تم جمع البيانات من خلال استبيان عبر الإنترنت، حيث تم طرح أسئلة حول استخدام التطبيق، وقدراته، والتنظيمات الأخلاقية، والرضا عنه، وتأثيره على التعلم، وتطوير المهارات، وسوق العمل، بالإضافة إلى المشاعر المرتبطة باستخدامه.

لكن الصورة ليست وردية تماماً. فهناك تحديات حقيقية تستحق اهتمامنا. 41% من الطلاب يشككون في دقة المعلومات، وربع المشاركين يخشون من تأثيرها على التفاعل الاجتماعي. هذه المخاوف المشروعة تضع أمامنا مسؤولية كبيرة لتطوير أطر أخلاقية وتنظيمية تضمن استخداماً مسؤولاً لهذه التقنية.

الأكثر إثارة للاهتمام هو التباين في تجارب الطلاب. فطلاب العلوم التطبيقية أكثر تقبلاً للتقنية من نظرائهم في العلوم الإنسانية، والطلاب في المناطق منخفضة الدخل يرون فيها فرصة ثمينة للوصول إلى موارد تعليمية كانت بعيدة المنال. هذا التنوع في التجارب يؤكد أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة قوية لتحقيق العدالة التعليمية.

ولعل التساؤل الذي يفرض نفسه، ما هو تأثير تطبيقات الذكاء الاصطناعي علي المستقبل المهني لطلابنا؟ النتائج تبعث على التفاؤل الحذر بحسب الطلاب أنفسهم. فبينما يتوقع 61% زيادة الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي، يرى معظمهم أن التقنية ستغير طبيعة الوظائف أكثر من أن تلغيها. هذه النظرة المتوازنة تعكس نضجاً في فهم دور التكنولوجيا في مستقبل العمل.

نحن اليوم نقف على أعتاب عصر جديد في التعليم العالي. عصر لا يحل فيه الذكاء الاصطناعي محل التفكير البشري، بل يعززه ويدعمه. المطلوب منا اليوم هو الاستثمار في تطوير مهارات طلابنا النقدية، وتزويدهم بالأدوات اللازمة للاستفادة المثلى من هذه التقنية، مع الحفاظ على أصالة تفكيرهم وإبداعهم.

-ولعل نتائج هذه الدراسة تمثل نافذة واعدة على مستقبل التعليم، في رسالة واضحة لصناع القرار ومديري المؤسسات التعليمية حول كيفية تعامل الطلاب مع تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي يحمل في طياته إمكانيات كبيرة لتحسين التعليم وتطوير المهارات، لكنه يحتاج إلى تنظيمات وضوابط لتحقيق الفائدة القصوى منه وتجنب التحديات المحتملة. مما يتطلب تطوير إرشادات أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتوفير تدريب للطلاب حول كيفية الاستخدام المسئول والواعي.

إن التحدي الحقيقي الذي يواجهنا ليس في التكنولوجيا نفسها، بل في كيفية توظيفها لخدمة أهدافنا التعليمية. نحتاج إلى رؤية واضحة وإرشادات عملية تضمن أن يظل الإنسان – بفكره وإبداعه وقيمه – في قلب العملية التعليمية، مع الاستفادة الذكية من إمكانات الذكاء الاصطناعي.

كذلك الاستفادة من هذه النتائج في صياغة المناهج والتعليمات والضوابط لاستخدام شات جي بي تي، وكذلك عند تصميم أساليب التدريس وأدوات التقييم. كما يمكن لصناع القرار النظر في هذه النتائج عند صياغة استراتيجيات تطوير نظام التعليم الثانوي والعالي، خصوصًا في ضوء احتياجات سوق العمل المتغيرة وتطوير المهارات الرقمية. التجربة حتى الآن تبعث على التفاؤل، لكنها تضع أمامنا مسؤولية كبيرة. فنحن نشكل اليوم ملامح المستقبل التعليمي للأجيال القادمة. دعونا نضمن أن يكون هذا المستقبل متوازناً، يجمع بين قوة التكنولوجيا وحكمة الإنسان.