مباشر
هل تتذكرون سياسة التتار فى غزو الدول ؟ عندما يرسلون أتباعهم لاستقطاب عددا من حاشية السلطان واستمالتهم بالمال ، وبالسلطة فى حالة الاستيلاء على هذه البلاد .
نفس السياسة يمارسها صندوق النقد الدولي فى غزوه للدول التى تعانى من أزمات اقتصادية وتحتاج للقروض والمساعدات المادية لتخليصها من هذه الأزمات .
كثيرا من الحكام حول العالم يقعون فى مصيدة صندوق النقد الدولي، بطعم مليارات الدولارات التى تحقق لهم أحلامهم الاقتصادية، وإنهاء تعثرات اقتصادية طاحنة تعوق تنفيذ خططهم أثناء فترات حكمهم، تدخلهم إلى الأمجاد التاريخية.
بمجرد الخضوع والرضوخ والجرى وراء الطعم، تصبح البلاد فريسة سهلة لصندوق النقد الدولي؛ يتلاعب بمصائرها كيفما يشاء، فيجعل الحرمان والفقر هو شعارها لحياة المواطنين، بينما يهنأ الحكام لفترة، قبل اكتشاف تفخيخ الصندوق لأنظمة حكمهم بشروط تدميرية لمواطنيها تجعلهم في حالة ركض مستمر لتوفير أبسط متطلباتهم للحياة اليومية، وبالتالي يؤثر ذلك على شعبية هؤلاء الحكام في دولهم.
عدد قليل جدا من الحكام فى دول العالم الثالث، يفطنون لهذا، ويرفضون الاقتراب من صندوق النقد الدولي من قريب أو بعيد، ويجتهدون مع أنفسهم ومواطنيهم فى تدابير الحياة وإعادة تأهيل بنيتهم الأساسية ومشروعاتهم المستقبلية فى حدود إمكانيات بلادهم، وما يحصلون عليه من دعم الدول الصديقة، وهو ما يطلق عليه الاستقرار الآمن للحكام وللمواطنين فى التعايش البسيط وبدون قفزات تنموية.
3 دول عربية وقعت فى شباك صندوق النقد الدولي هى؛ مصر، وتونس، ولبنان، وعددا آخر يتعامل بحذر و يراقب الموقف.
حصلت مصر منذ عدة سنوات على قرض من الصندوق قيمته 12 مليار دولار، ومازالت تسدد أقساطه حتى الآن، وتعرض الشعب المصرى لمعانة شديدة بسبب شروطه المجحفة ومنها خفض قيمة الجنيه بنسبة تقترب من 90%، وإلغاء نسبة كبيرة من الدعم، واحتمل الشعب القرارات الصعبة والتضخم، إلي أن استقرت الأمور عند سعر صرف مرن للعملة المحلية المصري، مقابل الدولار الأمريكي يتراوح بين بين 15 و 16 جنيها لكل دولار، مع رفع لأسعار الوقود والكهرباء والمياه، وأسعار المواد الغذائية والمواصلات، وفرض ضرائب متنوعة على الخدمات الحكومية.
بينما عاشت الحكومة فى بذخ الانفاق على المشروعات، وصبر الشعب وسعادة الحكومة جعلت من لعبة الاقتراض وسيلة سهلة، فدخلت مصر فى مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي، منذ عام تقريبا للحصول على قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار.
المبلغ بالنسبة للاحتياجات منخفض جدا، ولكن الدعم الرسمى والاقتصادى له كبير، فالموافقة عليه يعطى الضوء الأخضر لجهات عديدة لإقراض مصر أضعاف هذا الرقم، بل يؤكد الثقة الكاملة فى الاقتصاد والحكومة بالقدرة على السداد، وتصنف على أنها فى حدود الأمان من مؤسسات التقييم الدولية.
رغم أن حجم القرض صغير، لكن شباك الصياد كانت أكبر ، فالشروط التى وضعت من قبل صندوق النقد الدولي، تنهى سطوة الدولة على الاقتصاد، بل تجعل العملة المحلية بلا قيمة، وتظل معها معدلات التضخم مرتفعة، وتصبح البنوك غير مستقرة ولا تستطيع الوفاء بالمدخرات الأجنبية لعملائها، وتصبح حياة الشعب نار لا تطاق، وهو التفخيخ الحقيقى لأنظمة الحكم.
وبين ليلة وضحاها، تم الموافقة على شروط صندوق النقد الدولي، وصرف الدفعة الأولي منه وقيمتها 375 مليون دولار، على أن يتم مراجعة تنفيذ شروط الصندوق قبل صرف الدفعة الثانية.
واستطاعت مصر، الحصول على معظم إمتيازات القرض بقروض موازية من جهات أخرى وإعادة تجديد الودائع الدولارية للدول الصديقة داخل البنك المركزي المصري، وتم خفض قيمة العملة إلي 24 جنيها، ثم 27 جنيها ، وأخيرا 30.9 جنيها مقابل الدولار الأمريكي الواحد.
وبالتوازي مع ذلك بدأت حياة المواطن تزداد قسوة وسوء، ولا يستطيعون التحمل فى غلاء أكثر مع تخفيض جديد للعملة، وهنا فطنت القيادة السياسية للفخ المنصوب.
تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، فى نقاش شبابي بالإسكندرية، وأفصح عما بداخله من أن تخفيض الجنيه المصري منذ أن كان بثمانية جنيهات مقابل الدولار وحتى وصوله لحوالي 31 جنيها ، لم يحقق إصلاحا، بل زاد من معاناة المواطنين، ولا يمكن الموافقة على شروط تدميرية للشعب وحياتهم اليومية أكثر من ذلك .
إنتهى فصل ومازالت هناك فصول مع الصندوق الذى يضغط بكل أدواته ، ورجاله فى الداخل والخارج الآن.
تونس والهروب الكبير ..
تعثرت المحادثات بين الجانبين بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار وافق الصندوق على تقديمه لتونس في أكتوبر الماضي عندما توصل الجانبان إلى اتفاق على مستوى الخبراء، لكن الرئيس التونسي قيس سعيد ، رفض بشكل قاطع فكرة خفض الدعم وبيع شركات مملوكة للدولة، مما أدى لتوقف المفاوضات.
وقالت الرئاسة التونسية فى بيان لها، إن الرئيس سعيد أبلغ مديرة الصندوق خلال اجتماع في باريس، أن شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي لبلاده تهدد بإثارة اضطرابات اجتماعية في البلاد، مؤكدا أن أي خفض مطلوب في الدعم، خاصة الطاقة والغذاء، يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة.
وهناك العديد من الأمور التي تغيرت منذ توقيع اتفاق الخبراء، الأمر الذي يفرض إجراء تعديل أو تنقيح على الخطة الإصلاحية لتونس واقتراح إعادة صياغة اتفاق جديد مع الصندوق، يتضمن إرجاء القيام برفع الدعم عن المحروقات، لاسيما أن الظرف العالمي الراهن في سوق الطاقة ساعد تونس نسبيا.
ويرى خبراء أن تونس بحاجة إلى مزيد من المساعدة لتجنب انهيار اقتصادي، حيث تواجه أزمة شاملة في ميزان المدفوعات ويعاني اقتصادها من العديد من المشكلات.
وتحركت الحكومة التونسية، في اتجاه إجراء العديد من الإصلاحات، بإقرار حزمة جديدة من الإجراءات من أجل تطوير مناخ الأعمال والاستثمار، خاصة عبر التقليص من الإجراءات البيروقراطية.
كما صادقت الحكومة التونسية على تعديل جذري لقانون الشركات العمومية الرامي إلى مزيد من تعزيز جوانب الحوكمة وحسن التصرف في هذه الشركات.
وطالبت تونس، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بضمانها لدى صندوق النقد الدولي على غرار ما تم مع أوكرانيا التي حصلت على قروض بقيمة 15 مليار دولار.
كما أن تونس مطالبة هذا العام بتحصيل نحو 5 مليارات دولار في شكل تمويلات وقروض لتمويل موازنتها لهذه السنة، وتوافقت على تحصيل 1.5 مليار دولار وتبقى 3.5 مليار دولار، وبإمكان الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصاد الأول لتونس مساعدتها على تعبئة هذه التمويلات.
أما لبنان فوضعها أكثر سوءا، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأنها سيكون له مقال آخر.