صفحات رائعة من تاريخ الامة سليمان الحلبى .. حين يحدد بوصلة الصراع !!
بقلم د . رفعت سيد أحمد
هذه صفحة مجيدة من صفحات تاريخنا العربى التي تستحق ونحن في العام 2022 ووسط حروب وفتن عالمية متنقلة وإرهاب يفرق الامة ولا يجمعها ..نحتاج الي تذكرها وتثبيتها في ذاكرة الاجيال الجديدة ..ليتعلموا ويتفقهوا فيما هو موحد للامة … ، إنها (صفحة سليمان الحلبى) قاتل كليبر القائد الثانى للحملة الفرنسية ، إنها صفحة تمثل درساً لقوانا العربية والوطنية اليوم على اختلافها ، فى أن (العدو الحقيقى) دائماً وأبداً هو المحتل الأجنبى ، وأنه لا يمكن ولا يعقل أن ينحاز إلى ثورة ما ، من ثوراتنا إلا إذا كانت هذه الثورة بها خلل ، أو هوى ، ينزل بها إلى الدرك الأسفل من العمالة الرخيصة ، إن درس سليمان الحلبى ، البليغ الذى سنقدمه اليوم ، درس العروبة ووحدة الامة .. فى أجواء الخلط السائد بين الثورات والارهاب خاصة في سيناء وشمال سوريا حيث الارهاب المجرم الذي يسوق نفسه عبر دعايات داعش والاخوان ..أنهم (ثورات) والثورات منهم براء …تعالوا بنا نستعيد درس سليمان الحلبى ، البطل السورى الذى جاء لنصرة شعب مصر ضد الاحتلال الفرنسى ، فماذا عنه ؟ .
مصرى الهوى .. أزهرى الثقافة
يقول محمود الشرقاوى فى كتاب (الجبرتى وكفاح الشعب) الصادر عن دار الهلال طبعة 1966 – وهو من أجمل وأعمق ما قرأناه فى هذا الموضوع – أنه بعد إخفاق ثورة القاهرة الكبرى عام 1801 وذبح كليبر الفرنسى لآلاف المصريين ، كان لابد لهذا الظلم ، وهذا الجبروت ، وهذه القسوة على شعب مصر ، أن تملأ قلوب أبنائه بالنقمة والسخط والغضب ، وأن تدفعه إلى الانتقام . فقام واحد من أبناء الشعب – هو سليمان الحلبى – بالتنفيس عن هذا السخط المكظوم ، الذى فاض به شعور الناس ، بسبب هزيمتهم أمام الفرنسيين فى الحرب ، وبسبب هذه القسوة الشاذة المنكرة ، التى أخذها بهم كليبر ، وكان التنفيس عن غضب الشعب وسخطه المكظوم بقتل كليبر نفسه .
وقد يقول قائل أن سليمان الحلبى لم يكن مصرياً ، ولكنا نجيب بأن وجدان الناس فى ذلك الوقت لم يكن وجداناً وطنياً ، بل دينياً . ولم يكونوا يعرفون حدود الوطن ، بل كانوا يعرفون إحساس الإيمان والعقيدة .
ربما كانوا يحسون بالقومية إحساساً مبهماً آنئذ ، ولكن إحساسهم القوى الغالب المسيطر ، كانت دوافعه هى دوافع الدين والعقيدة التى هى أشمل وأعم وأوسع من حدود الوطن .
وقد كان سليمان الحلبى من بلاد الشام ، ولكنه عرف ما أصاب أهل مصر من جور الفرنسيين وظلمهم وجبروتهم فتحركت فى نفسه عوامل قوية من الغضب والغيظ لما أصاب عشيرته الدينية ، أو العربية ، من محنة ، فلما قدم القاهرة لشفاء ما فى نفسه من هذا الغيظ والغضب . استقر فى الأزهر ثلاثين يوماً ، والأزهر مركز المقاومة وجحر الثورة ، فتأثرت نفسه ، فوق تأثرها ، بهذه البيئة الثورية وسمع من صغار العلماء والمجاورين ما أصاب الناس من شقاء . وما أصاب الأزهر من تهدم واعتداء على حرماته وكرامة أهله ، فزاد إصراره على الانتقام والثأر وتفاعلت فى نفسه أكثر من ذى قبل عوامل الغيظ والغضب .
* لقد كان سليمان الحلبى بحق أزهرى الثقافة ، سورى المولد ، مصرى الهوى ، عرف البوصلة جيداً فالتزم طريقها ، طريق (الثورة) على المحتل الأجنبى ، الذى كان يومها فرنسياً واليوم (2022) داعشيا وغربيا !! .
***
فى وجه المحتل
إن قصة البطل سليمان الحلبى الذى وجه نضاله وجهاده ضد العدو الحقيقى للأمة وهو المحتل الفرنسى ، ولم يوجهه كما يفعل إرهابيي اليوم ضد بلادهم فماذا تقول الرواية نقلاً عن كتاب محمود الشرقاوى (الجبرتى وكفاح الشعب – دار الهلال – 1966) : كان الجنرال كليبر كثير الحركة دائم التنقل بين منزله فى الجيزة حيث كان يقيم فى ذلك الوقت، ومعسكر جيشه فى الأزبكية ، وفى يوم 14 من يونيو سنة 1800 ذهب كليبر إلى جزيرة الروضة ، فتفقد بعض الجند الفرنسى ، ثم عاد إلى مركز القيادة العامة ، وإلى منزل القائد فى الأزبكية ، فشاهد ومعه المسيو بروتان ، أحد مهندسى الحملة ، ما كان يجرى من الإصلاحات فى المنزل وفى مقر القيادة – وكان ما أصابهما بسبب أعمال الثورة وبأيدى رجالها – ثم ذهب فى عصر ذلك اليوم مرة ثانية ومعه بروتان إلى المنزل ومقر القيادة . وبينما كان كليبر يتحدث إلى رفيقه ، وهما يسيران فى ممر طويل ، إذ تقدم إليه رجل بورقة فى يده فتلفت إليه كليبر ليسمع منه ، أو ليأخذ الورقة ، فعاجله الرجل بطعنة خنجر فى صدره ثم اشتبك بالمسيو بروتان ، الذى أسرع ليلحق به ، وطعنه بخنجره ست طعنات ، سقط بعدها إلى الأرض ، ثم عاد مرة أخرى ليجهز على كليبر بخنجره ، وكان قد قتل بالطعنة الأولى ، وقد ظهر فيما بعد أن سليمان تعقب كليبر أياماً كثيرة ، وأنه حاول أكثر من مرة أن يلتقى به ليقتله فلم يستطع ، وضبط سليمان بعد ذلك فى حديقة مقر القيادة .
***
الاستشهاد وفى اليوم التالى – الأحد 15 يونيو – أصدر القائد العام الجديد ، الجنرال مينو ، أمره بتشكيل المجلس العسكرى الذى يحاكم القاتل ، ثم عقد هذا المجلس – فى اليوم التالى – أولى جلساته.
وتمت المحاكمة ، وشهادة الشهود ، والمرافعة ، من الادعاء والدفاع فى يومين . وأصدر المجلس حكمه بأن تحرق يد سليمان اليمنى ، ثم يجلس فوق الخازوق وتترك جثته حتى يأكلها الطير ، وكانت سن سليمان أربعاً وعشرين سنة ، وأدان المجلس أربعة من الأزهريين كان سليمان أفضى إليهم بعزمه على قتل كليبر ، وهم الشيوخ عبد الله الغزى ، وسنه ثلاثون سنة. ومحمد الغزى وسنه خمس وعشرين ، والسيد أحمد الوالى ، وقد ذكر أنه لا يعرف سنه . وعبد القادر الغزى ، وقد حوكم غيابياً لأنه فر ، أدان المجلس هؤلاء الأربعة من الأزهريين لأنهم لم يخبروا السلطات الفرنسية بما سمعوه من سليمان أو عرفوه من تفكيره فى قتل كليبر وقد قطعت يد سليمان اليمنى ، ثم أجلس على الخازوق ، فوق تل العقارب بالناصرية وأعدم الأزهريون الثلاثة بقطع رؤوسهم ، ثم حرقت جثتهم ووضعت رؤوسهم على نبابيت ليطاف بها فى شوارع القاهرة وأحيائها ، ونفذ حكم الإعدام فى الأزهريين الثلاثة قبل إعدام سليمان وأمام عينيه ، إلا أن (البطل السورى) لم يهتز ، وظل صامداً حتى الموت ، واندلعت لاحقاً احتجاجات شعبية واسعة خاصة بعد الظلم الذى لحق بالمصريين عقاباً لهم على قتل كليبر وكان نصيب الأزهر وريف مصر وأحياء القاهرة هو الأكبر فى العقاب ، إلى حد إغلاق الأزهر لأكثر من عام كامل ، واعتقال علمائه ، وكان أولهم الشيخ السادات ، فأخذ إلى القلعة سجيناً. ثم اعتقلوا بعد ذلك الشيخ عبد الله الشرقاوى شيخ الأزهر والشيخ محمد المهدى ، والشيخ مصطفى الصاوى ، والشيخ سليمان الفيومى ، والشيخ محمد الأمير ، واعتقلوا أيضاً كثيراً من وجوه الناس ومن أبناء الشعب ، إلا أن موقف أهل القاهرة الثورى المستمر وتحفزهم للثورة على الفرنسيين ، عند اشتباكهم فى حرب الانجليز والعثمانيين من الأسباب التى حملت الفرنسيين على التسليم من غير قتال ، فى 22 يوليو 1801 ثم قبولهم الجلاء عن مصر كلها فى خمسين يوماً .
هذا هو درس البطل سليمان الحلبى ، وتلك هى بوصلته الصحيحة ، التى آمن بها الشعب العربي كله في زمانه خاصة الشعب المصرى والسورى ، فلا مقاومة أو ثورة إلا ضد المحتل ومن آذره من دواعش الداخل ووكلاء الغرب ..الوطن هو الاساس والاصل والبوصلة ومن يحيد عنها ضل وتاه ..هكذا قال وعلمنا سليمان الحلبي قبل أكثر من مائتين وعشرين عاما .