كل يوم خميس
بقلم : د.محمود عطية
كلما جدت حكومة علينا تبدى زهقا واضحا من كثرتنا اى كثرة الشعب…ويبكت فينا كبيرهم دوما معلنا ان مخططات الاصلاح تبوء بالفشل من كثرتنا ولمتنا…وكلما قلنا اللمة عزوه والقفة ام ودنين يشيلوها اتنين..يقولوا كفاية يد واحدة…°
لكن الغريب سعة صدر حكومات الصين التى تعول مليارات البشر ولم تبد زهقا ولا تأففا بل سعدت بتلك الكثرة واتصرفت…وجعلتهم طاقة منتجة غزت بهم جميع اسواق العلم..لكن ازاى نقول الحكاية وتقرأ كيف حاول الغرب اتلاف الشعب الصينى وكيف تصدت الصين واعطت درسا لمن يريد ان يسنفيد.!
فقصة بناء الصين الحديثة..وبناء الإنسان “الصيني” هي قصة المارد الذي حاول الرجل الأبيض الغربى بكل خبثه تدميره..وفى قصة الصعود الصينى ونهوضه من كبوته المصطنعة بفعل الرجل الغربى..الكثير من العبر التى تصلح لكل بلد تريد طريقا للتقدم بعيدا عن النموذج الغربي ..!
والحكاية تبدأ بتمكن الاستعمار الغربي من تهريب الأفيون مجانا للشعب الصيني حتى القرن السابع عشر بهدف تخريب إنسان الحضارة الشرقية العريقة وشل التنين الصيني ومن بعد يأتى تدخل جيوش الاستعمار بفظاظتها.. ويذكر كتاب”الشرق يصعد ثانية” لمؤلفه جوندر فرانك إصدار 1989(( إذ اعتادت بريطانيا أن تزرع الأفيون في الهند وتصدره مجانا إلى الصين وعرفت كيف تخدر التنين الأعظم وتنتصر عليه بعد أن خارت قواه..)).
وللأسف تمكن تهريب الأفيون في عدة سنوات من تحويل المجتمع الصيني إلى قوة خائرة عاجزة عن أى فعل وأصبح الصينيون مجرد مدمنين كسالى وتفشت فيهم الدعارة والأمية وبهتت الحكمة الصينية القديمة ووصفت الصين بأنها عاهرة الشرق تحت سيطرة الإنجليز عليها.. وأضحت الصين منذ منتصف القرن التاسع عشر مستعمرة ومنطقة نفوذ لكل من بريطانيا وأمريكا وفرنسا وروسيا واليابان..!
لكن الصين صاحبة الحضارة العريقة لم تستسلم وقيض لها الزمان الزعيم الوطني المحب لبلاده “صن يات صن” فى مطلع القرن العشرين ثم من بعده الزعيم الاشتراكي ماوتسى تونج فى رد الاعتبار ومحاولات إعادة المجد القديم ..ولم تكن إعادة الصين لعهدها القديم مسألة سهلة ..فقد تم التركيز على إعادة الروح للإنسان الصيني الضائع تحت ستار الدخان والأفيون .
..واخطر ما واجه عملية الإصلاح ما عرف باسم الثورة الثقافية لأنها حاولت بعث الروح الصينية بدوافع يسارية مزيفة غير نابعة من التراث الصينى واستهدفت تجريد الصين من ترائها وتاريخها العريق..لكن انتهى ذلك بانتصار الحكمة الصينية وتذكريهم بما قاله قديما حكيم الصين ( أعرف حكمة القدماء وعايش العصر ..بذا تغدو معلما).
وبدأت الصين منذ عام 1977 فى استئناف مسيرتها الثورية وركزت على الأهم فى أى نهضة على بعث الروح فى الإنسان الصينى ..فقد حشدت كل جهودها للنهوض بالإنسان اقتصاديا وتعليميا وسياسيا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا…وفى سنوات قليلة بهرت العالم بما حققته فى كل تلك المجالات رغم الصعوبات والانتكاسات التى قابلتها..فمثلا بدأت الثورة الصينية فى عام 1949 أولى خطواتها والفقر والمرض يتفشيان والأمية تتجاوز 80% وحاليا تكاد تكون الأمية نسبتها صفر..وقضت بنسب مذهلة على الفقر والمرض.
وسياسية بناء الإنسان كانت هي قاطرة التقدم الفعلي للصين.. وتجلت في الاهتمام بالتعليم الاساسى والجامعي حيت التعليم الاساسى مجانا لمدة تسع سنوات ..هذا علاوة على نشر لغة تكنولوجيا العصر وحرص مناهج التعليم على تنمية العقل الناقد أداة البحث والتفكير والإبداع مع ترسيخ قيمة التماس المعرفة عن طريق الكتب والوسائل الإلكترونية …والاهم تم التركيز على تعزيز الرؤية الصحيحة لتاريخ الصين ودورها الحضاري العريق مما ينمى ويدعم مشاعر الانتماء.
وحاليا بعد أكثر من حوالي سبعين عاما من بعث التنين الصيني تحققت انجازات وانتصارات رغم الانتكاسات والحصار الغربى..ولم يعد ينظر للصين الا باعتبارها نموذجا للتصميم الإنساني القائم من تحت التراب إلى علا المجد والشرف..الصعود الصينى المذهل فى مجالات عديدة يؤكد أن كل نمو وتقدم لابد أن يبدأ بالإنسان وبغير ذلك جهد ضائع..
ويؤكد شوقى جلال في كتابه الصين التجربة والتحدي إن(( جملة القول ان الصين ترى أن الإصلاح الاقتصادي رهن الانفتاح على العالم والاعتماد على العلم والتكنولوجيا كقوى انتاجية وركيزة حماية الأمة وترى فى التقدم الاقتصادى على مستوى عصرى شرطا للنهوض والتقدم..)).
ولنا فى الصين أسوة حسنة وتجربة جديرة بأن تدرس ونستمد منها قوة الإرادة الإنسانية العملاقة التى تخلق المعجزات وتقدم البلاد.