الأحد, 16 مارس 2025, 4:37
أسواق مصر تجارة وصناعة سيارات نافذة الرأى

د سمير على يكتب : الآثار الكارثية لتبني إستراتيجيات فاشلة

 

بقلم : دكتور مهندس / سمير على 

على مر التاريخ الحديث، اتخذت إدارات بعض الشركات قرارات استراتيجية أدت إلى نتائج كارثية، سواء من حيث الأداء، أو التأثير على الموظفين، أو فقدان العملاء، أو الخسائر المالية الفادحة. فيما يلي سوف استعرض مع حضراتكم تصنيف لأبرز هذه الاستراتيجيات الفاشلة مع أمثلة حقيقية من الواقع مدعومة بالأرقام والنتائج بطريقة مبسطة جدا لنستخلص منها أهم الدروس لمنع الوقوع في نفس الكوارث.

استراتيجية فاشلة للتوسع في السوق

قررت سلسلة متاجر ” Target” وهي سلسلة متاجر التجزئة الأمريكية، التوسع إلى كندا بسرعة كبيرة، حيث افتتحت 133 متجراً خلال عامين فقط (2013 – 2015). أدى التسرع إلى مشاكل خطيرة في سلاسل الإمداد، مما تسبب في نقص البضائع على الأرفف وتكدس المستودعات بالبضائع غير المباعة. وبالتالي كانت الأسعار أعلى مما توقعه المستهلكون مقارنة بنفس الفروع في الولايات المتحدة، مما أدى إلى انهيار ثقة العملاء.

والنتائج: خسائر بقيمة 2.1 مليار دولار خلال أقل من عامين. إغلاق جميع المتاجر الـ 133 وفقدان 17,600 موظف لوظائفهم. ثم انسحبت ” Target” بالكامل من كندا عام 2015.

أسباب الفشل: التوسع المُفرِط دون تخطيط كافٍ. ضعف إدارة المخزون وسلسلة الإمداد. وأخيرا فشل في مواءمة الأسعار مع توقعات العملاء.

استراتيجية متسرعة للتفوق على المنافس

في عام 2016، سارعت شركة “سامسونج” (Samsung) الكورية لإطلاق الهاتف “جلاكسي” طراز (Note7) للمنافسة مع “أبل” (Apple) مما أدى إلى إهمال اختبارات السلامة. تسببت البطارية في حوادث انفجار وحرائق للأجهزة.

والنتائج: قامت الشركة باستدعاء 2.5 مليون جهاز للتعديل، ثم أصدرت استدعاءً ثانياً عندما انفجرت أيضاً الأجهزة المعدلة. والأسوأ أنه تم حظر الأجهزة على الطائرات، مما أثر سلباً على سمعة الشركة وكبدها خسائر وصلت إلى 17 مليار دولار.

أسباب الفشل: التسرع في الإنتاج دون إعطاء الوقت الكافي للاختبارات اللازمة. وتغليب سرعة الإنتاج والانتشار في السوق على اشتراطات الجودة والسلامة.

استراتيجية مُنتج جديد غير مدروسة

في عام 1985 حاولت شركة “كوكاكولا” استبدال وصفتها الأصلية بـمنتج جديد تحت اسم “نيو كوك” (New Coke) لمنافسة “بيبسي”. للأسف لم تضع في حسبانها مدى ارتباط المستهلكين العاطفي بالمنتج الأصلي. وهو ما تسبب في أن تعرضت الشركة لردود فعل عنيفة، حيث تلقت أكثر من 400,000 شكوى ورسالة غضب من العملاء.

والنتائج: بعد 79 يوماً فقط، اضطرت الشركة إلى إعادة الصيغة الأصلية للمنتج باسم “كوكاكولا كلاسيك”. وقد أدى ذلك إلى تحمل الشركة خسائر بملايين الدولارات بسبب تكلفة التسويق والأبحاث.

أسباب الفشل: تجاهل ولاء العملاء للمنتج الأصلي. والتقليل من شأن رد الفعل العاطفي للجمهور لمنتج معين.

استراتيجية تسعير كارثية

في الفترة من (2011 – 2013)، ألغى الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر “JCPenney” السيد” Ron Johnson” جميع الخصومات والعروض الترويجية، وبدلا من ذلك قام بتبني استراتيجية لتخفيض الأسعار بشكل عام وثابت دون استطلاع رأي العملاء قبل التنفيذ معتقداً أن العملاء سيفضلون الأسعار المنخفضة الثابتة. لكن المفاجأة أن العملاء كانوا مدمنين على العروض الترويجية، وعندما اختفت، توقفوا عن الشراء.

والنتائج: خسرت الشركة 4.3 مليار دولار من الإيرادات في عام واحد (2012) فقط. كما انخفض سعر السهم لهذه السلسلة من 42 دولار في عام 2011 إلى أقل من 10 دولارات في عام 2013. ولوقف نزيف الخسائر تم إقالة جونسون في 2013، وعادت الشركة إلى استراتيجية العروض والخصومات التي اعتاد عليها الجمهور.

أسباب الفشل: تجاهل سلوك العملاء في الشراء وعدم استطلاع رأيهم في أي تغيير، وتطبيق استراتيجية التسعير بدون اختبار أولي لرد فعل المستهلك.

فشل استراتيجي في دمج التكنولوجيا الجديدة لخفض التكلفة

خلال الفترة من (2018 – 2020)، أضافت شركة “بوينغ” للطائرات نظام (MCAS) لطائرتها من طراز (737 MAX) وهو نظام لتعزيز المناورة والاستقرار للطائرة ولكنه نظام تم استخدامه في الطرازات القديمة لخفض تكلفة الطائرة. احتوى هذا النظام على عيوب قاتلة جعلت الطائرة تنحني للأسفل أثناء الهبوط بسبب أخطاء في المستشعرات. كما أن شركة بوينغ لم تقدم تدريباً كافياً للطيارين حول التعامل مع هذا النظام في الطائرة الحديثة وانتهى الأمر بكارثة.

والنتائج: تحطم طائرتان وهما الرحلة رقم 610 لشركة (Lion Air) ورحلة الخطوط الأثيوبية رقم 302 مما أدى إلى وفاة 346 شخصاً. وبالتالي تحملت شركة بوينج خسائر مالية مباشرة تجاوزت 20 مليار دولار بسبب الغرامات والتعويضات. بالإضافة إلى حظر الطائرة عالمياً لمدة 20 شهراً، مما كلف الشركة 5 مليارات دولار إضافية بسبب الإيرادات الضائعة خلال مدة الحظر.

أسباب الفشل: وضع مبدأ خفض التكاليف فوق شروط السلامة. عدم الاهتمام بالتواصل والتدريب الكافي للطيارين. مع ظهور أخطاء كارثية في تنظيم العمل وانعدام الشفافية.

استراتيجية الاحتيال المالي

في عام 2001 استخدمت شركة (ENRON) “إنرون” الأمريكية للطاقة أساليب محاسبية احتيالية لإخفاء الديون وتضخيم الأرباح الوهمية. وقام المسؤولون التنفيذيون للشركة بإنشاء شركات وهمية لإخفاء الخسائر المالية والضغط على شركة (Andersen) للمراجعة والتدقيق المحاسبي لمنع إظهار عمليات الاحتيال.

والنتائج: خسرت الشركة 63.4 مليار دولار، وأعلنت إفلاسها في عام 2001 بعد أن انخفض سعر سهم الشركة في البورصة من 90 دولار إلى 0.26 دولار. ونتيجة لتواطؤها في إخفاء الحقائق، تم حل وتصفية شركة “آرثر آندرسن” (Andersen) التي كانت واحدة من أكبر خمس شركات تدقيق ومحاسبة مالية في العالم. مما أدى في النهاية إلى فقد حوالي 20,000 موظف لوظائفهم ومدخراتهم التقاعدية وقضى الرئيس التنفيذي 24 عاما في السجن.

أسباب الفشل: القيادة المدفوعة بالجشع ومن ثم الاحتيال المُحاسبي مع انعدام الشفافية وغياب الرقابة المالية النزيهة.

تجاهل التحولات ونشاط المنافسين في الأسواق

في عام 2000، عرضت شركة “نتفليكس” (Netflix) على شركة “بلوك باستر” (Blockbuster) شراءها مقابل 50 مليون دولار، لكن الأخيرة رفضت العرض بسخرية. وكانت أهم مشاكل “بلوك باستر” أنها ركزت على تأجير شرائط الأفلام في المتاجر بنفس الطرق التقليدية فقط بينما انتقلت “نتفليكس” إلى البث الرقمي.

والنتائج: أفلست “بلوك باستر” في عام 2010، في حين وصلت قيمة “نتفليكس” السوقية اليوم لأكثر من 250 مليار دولار.

أسباب الفشل: التقليل من أهمية التطوير المستمر ومن ملاحظة نشاط المنافسين في الأسواق، بالإضافة إلى الفشل في التكيف مع التكنولوجيا الجديدة وفي مواكبة التحول في رغبات العملاء.

بيئة العمل السامة

في عام 2017، كشفت مهندسة سابقة عن انتشار التحرش الجنسي والتمييز داخل شركة (Uber) “أوبر” وأن الشركة قد انخرطت في ممارسات غير أخلاقية، والتلاعب بالقوانين مثل:

–  تطبيق برنامج Grey ball للتهرب من تطبيق القانون.

–  استخدام برنامج Hell للتجسس على المنافسين.

– انتهاك قواعد الخصوصية الخاصة بشركة (Apple) والتجسس على المستخدمين.

والنتائج: قام الجمهور بتدشين حملة (#DeleteUber) والتي أدت إلى حذف 200,000 حساب من عملاء الشركة، وهو ما أدى إلى تكبد الشركة خسائر فادحة نتيجة لخفض قيمتها السوقية بمقدار 10 مليار دولار.

أسباب الفشل: وجود بيئة عمل سامة مع غياب نظام المسائلة الفعال وانحدار مستوى الوازع الأخلاقي لقيادة الشركة.

وخلاصة القول

هذه الأخطاء تُظهر مدى التأثير المدمر على الشركات عندما يتبني القادة استراتيجيات فاشلة دون دراسة كافية. ولذلك عند القيام بإعداد أي استراتيجية لابد من مراعاة أهم عوامل نجاحها والمتمثلة في:

فهم احتياجات السوق ومراقبة أنشطة المنافسين، وضع الارتباط العاطفي وولاء المستهلك في الحسبان، اختبار المنتج جيدا قبل التنفيذ والعرض في السوق، مراعاة التغيير السريع في التكنولوجيا وفي تطلعات العملاء بشكل دائم، وضع شروط الجودة والسلامة في مقدمة الأولويات، وفوق كل ذلك يجب أن تتحرك كل هذه العوامل ضمن أعلى مستويات أخلاقيات العمل داخل وخارج الشركة.

وهنا قد يبرز سؤال آخر: هل تأثرت شركات السيارات العالمية أيضا بمثل هذه الاستراتيجيات الفاشلة؟

هذا ما سوف نجيب عليه لاحقا في الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله.