الخميس, 21 نوفمبر 2024, 8:26
سياحة وطيران نافذة الرأى

 د. سالم الحافي يكتب : السياحة فى سلطنة عُمان ( 1)

 

سلطنة عُمان  ..هنا تندهش تنتعش وتأمل ألا يمضي الوقت ( 1)

بقلم الكاتب الصحفى : د سالم الحافي

بيني وبينها ما لا ينتهي أبدا .. أنا وهي وحبها صوت والزمان صدى

هذا هو حالي مع العامرة مسقط وكل ولايات السلطنة منذ أن كحلت عيني برؤيتها للمرة الأولى ، وخلال معيشتي بها سنوات سبع ، طفت أرجاءها ، بحكم عملي صحفيا ، و مرت السنوات واشتعل الرأس شيبا ، ومازالت السلطنة تسكنني ربما

لنهضتها التي نراها في جمال شوارعها وأناقة مبانيها ، وتعانق الأصالة والمعاصرة في ملامحها ، وربما لأنك بها تصادق الهدوء وتتنفس النقاء ، تفترش الرمال وتلتحف الصفاء.. ربما وربما ، لكن الأكيد أننى عشقت عُمان ، لأن بها معدنا نفيسا ، اسمه ” الإنسان العُماني” .. والكلام عن سلطنة عُمان وناسها يطول ؛ لذا سأختصر شهادتي عن المقومات السياحية في عُمان من خلال عيون مصرية .

حبا الله سلطنة عُمان بالعديد من المقومات الطبيعية المتنوعة ، وهذا التنوع أفرز بيئة طبيعية متباينة ، حيث الجبال الشامخة، وواحات النخيل الوارفة، والشواطئ النظيفة، والرمال الناعمة والصحاري الواسعة، كما تتميز بموقعها الجغرافي بإطلالها على خليج عُمان ومضيق هرمز وبحر العرب والمحيط الهندي، حيث أكسبها ذلك ميزة خاصة في التنوع المناخي من منطقة إلى أخرى في بعض فصول السنة .

وتبرز الأهمية الاستراتيجية لموقع عُمان منذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين على خارطة العالم ، فهي تحتل قلب العالم الإسلامي وعند شواطئها تنتهي الحدود الشرقية للوطن العربي .

كما تتمتع سلطنة عُمان بموقع فريد على الخريطة الجغرافية والاستثمارية على السواء حيث صارت الشركات العالمية تتخذ منها مقرا رئيسيا لعملياتها في الشرق الاوسط ، أما عن التسهيلات والحوافر الاستثمارية التي توفرها السلطنة للمستثمرين في المجال السياحي فلا تسل .

أما عن المفردات السياحية الأخرى التي تتباهى بها سلطنة عُمان ، وتضعها في مكانة مرموقة على خارطة السياحية العالمية ، فهي عديدة ومتنوعة ، فالسلطنة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب تلبس وشاح الحضارات وشالا من السوسنات حيث الجمال الرباني ينقش في السهول والجبال والوديان والكهوف فيوض المتعة وحب الاستكشاف عن الغرائب بين الصخور وهي تناوش خرير الماه المنسدلة على ساق الحجر وتحلم بالتقاء مع عبق الأرض وكلها تحاول أن تقطف الجحلة من يد صانع الفخار للبحث عن سر الأحجار أو سموق النخيل وهي ترسم أول شروق للشمس من السلطنة .. وبجدارة إنها وطن تحكيه الطبيعة من كل الحنايا ..

هذا عن الطبيعة والتاريخ ، فماذا عن الإنسان العُماني ؟ يخبرك عنه العديد من زوار السلطنة والرحالة على مدى التاريخ ، نذكر منهم الرحالة البريطاني جون أوفينجتون الذي زار مسقط عام 1693م وكان معجبا بأخلاق أهل عُمان ، وترجم ذلك الإعجاب قائلا : ( هؤلاء العرب مهذبون جدا في تصرفاتهم ، وفي غاية اللطف إلى كل الغرباء فلا أذى ولا إهانة يمكن أن تصدر منهم لأحد ..) وقد جاء الرحالة ( ويليام جيفورد بالجريف إلى عُمان في سنة 1862م ولخص صورته عن الشعب العُماني بهذه الكلمات : ( هم بطبيعتهم دون أدنى شك ، حسب خبرتي بهم ، الأفضل سجية ، والأحسن معشرا ، والأكثر أنسا من جميع الأجناس العربية ، التسامح بأقصى درجاته التي لاتوجد حتى في أوروبا ، مكفول هنا لكل الأجناس والديانات والعادات ) .

السياحة في عُمان إذن مطرزة بلون الفرحة ، فهنا أكواب كرم موضوعة ، ونمارق سلام مصفوفة ، هنا تشعر أنك من أهل عُمان ؛ عند كل لقاء تلقاك ابتسامات عريضة وأيد ممدودة ومخابرة رقيقة طويلة تتقصى أحوالك ، أخبارك ، علومك ، ترجو لك الخير وتختتم بأمنيات السعادة . هنا تصادق الهدوء وتتنفس النقاء ، تفترش الرمال وتلتحف الصفاء ، هنا ترويك الأفلاج وتمنحك العيون والنخيل غذاء وعلاجا ويظلك الضباب ويداعبك الرذاذ ، هنا تندهش تنتعش وتأمل ألا يمضي الوقت .

هنا موسيقى وضُحى أفراح ، عطر ولُبان يتهادى ظهرا وصباح ، وثوب نقي وسيف أبي وخنجر فضي ، وألوان من الأزياء والحلي ، هنا عيد عُماني ( عساكم من عواده ) .

هنا كل ذلك ، فلا تندهش ، لأنه إذا كانت الأصالة هي البناء التحتي ، فإن المعاصرة هي البناء الفوقي .. وقد نجحت مسيرة النهضة العُمانية أن تجمع الكل في واحد اسمه : الإنسان العُماني الذي أشرقت شمس صحوته منذ فجر النهضة العُمانية المباركة ، التي تزداد إشراقا برعاية كريمة من سلطان عُمان حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظهُ اللهُ ورعاهُ ـ هذه الصحوة نراها مزهرة ورودا حضارية في شتى المجالات ، وفي مقدمتها قطاع السياحة .