الأحد, 12 أكتوبر 2025, 2:44
جامعات ومعاهد نافذة الرأى

دكتور فتحي الشاذلي يكتب : رؤية لتطوير التعليم الجامعي بجامعات الجيل الرابع

التعليم الجامعي بين الواقع والطموح.. رؤية للتطوير 

بقلم : ا د / فتحي الشاذلي

أستاذ العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة 

مع نتيجة الثانوية العامة وتنسيق القبول للجامعات لا حديث في البيوت المصرية إلاّ عن الجامعات..

فلا يخلو بيت من طالب في الجامعة هو شغل أهله الشاغل ماذا يتعلّم ،وأين يتعلم ؟ وكيف يتعلم ؟!!

وبهذه المناسبة ، وجدتني في لحظة تأمل لهذا المجال الحيوي مجال التعليم الجامعي، ربما أستطيع أن أرصد بعضاً من هموم هذا المجال ومعاناة المشتغلين به ،وأضع أسساً لركائز تطويره من وجهة نظري كأستاذ جامعي يحمل خبرات اربعة عقود من العمل الاكاديمي المتواصل داخل البلاد وخارجها كنت خلالها مهموما بكل عناصره متعايشاً مع مشاكله وراصداً لمخرجاته.

لقد شهدت مصر تطورًا ملحوظًا في بنية التعليم الأكاديمي،. ورغم ما أحرزته الجامعات من إنجازات كمية في التوسع والانتشار، فإن المضمون النوعي للتعليم الجامعي ما زال يراوح مكانه ، إن لم يكن يتراجع في بعض السياقات. من هنا تبرز ضرورة بلورة رؤية متجددة لتطوير التعليم الجامعي، تستند إلى أسس واقعية وعلمية، وتنطلق من تقييم عميق للعناصر المؤثرة في جودة العملية التعليمية.

أولًا: تطور كمّي دون تحوّل نوعي

من السهل ملاحظة أن التعليم الجامعي تطور عددًا ومظهرًا. فقد تضاعف عدد الجامعات والكليات والأقسام العلمية، وارتفعت أعداد الطلاب والأساتذة، وتنوعت التخصصات والمسارات الأكاديمية. إلا أن هذا التوسع الكمي لم يصاحبه دائمًا تحول كيفي في جودة التعليم أو نواتج التعلم. فما زال عدد كبير من الجامعات يعتمد على طرق تدريس تقليدية، ومقررات جامدة، وتقييمات لا تعكس القدرات الحقيقية للطلبة. وغالبًا ما يكون المنتج “خريجون بلا مهارات”، مما يكرّس فجوة بين مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل.

ثانيًا: أين تكمن أولوية التطوير؟

عند مناقشة سُبل تطوير التعليم الجامعي، تبرز تساؤلات جوهرية:

هل نبدأ بالمدرّس الجامعي الذي يقود العملية التعليمية؟ أم بالمناخ الذي يعمل فيه؟

هل تكون نقطة الانطلاق هي الطالب، بوصفه هدف العملية التعليمية؟

أم علينا أن نعيد النظر في الأدوات والتقنيات المستخدمة، رغم حداثتها الظاهرية؟

الإجابة ليست بسيطة ولا أحادية الاتجاه، بل تتطلب نظرة شاملة تكاملية.

1. المدرّس الجامعي هو حجر الزاوية، ولا يمكن تطوير التعليم من دونه. يجب الاستثمار في تدريبه المهني والتربوي، وتطوير مهاراته في استخدام التقنيات الحديثة، وتفعيل دوره كميسر للتعلم لا مجرد ناقل للمعرفة.خصوصا هذه الايام، اذ دخل المجال كثيرون غير تربويين ليسدوا النقص في الجامعات التي تزايدت عددا .

2. البيئة الأكاديمية التي يعمل فيها المدرّس لا تقل أهمية؛ فمناخ العمل، والاستقلال الأكاديمي، وحرية البحث، والموارد المتاحة، كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر في أدائه.

3. الطالب، وهو جوهر العملية التعليمية، يحتاج إلى إعادة تموضع في فلسفة التعليم، بحيث يتحول من متلقّ سلبي إلى شريك فعّال في إنتاج المعرفة. وينبغي أن يعاد النظر في أساليب تقويمه، وتقديم الدعم النفسي والمهاري له.

4. الأدوات والتقنيات ليست هدفًا في ذاتها، بل وسيلة لتعزيز الفهم وتسهيل التواصل. غير أن استخدام هذه الوسائل دون تغيير جوهري في فلسفة التعليم قد يؤدي إلى “رقمنة” الشكل لا المضمون.

ثالثاً: جامعات الجيل الرابع – التوجهات والدعائم

نحن بحاجة الي تطوير جامعاتنا لتكون بمستوي جامعات الجيل الرابع ونتخلي عن الأسلوب التقليدي للجامعات في التعليم والبحث وخدمة المجتمع

تُعَدّ “جامعات الجيل الرابع” تطورًا طبيعيًا لحاجة المجتمعات إلى مؤسسات تعليمية تتجاوز دورها التقليدي في التعليم والبحث، لتصبح محرّكًا اقتصاديًا ومجتمعيًا. وتعتمد في كل عناصرها علي تكنولوجيا العصر الحديثة ، من أبرز دعائم هذا النموذج:

• الابتكار وريادة الأعمال كجزء من منظومة التعليم.

• شراكات استراتيجية مع الصناعة والمؤسسات الحكومية.

• نُظم حوكمة مرنة تستجيب للتغيرات السريعة في المعرفة والتكنولوجيا.

• بيئة رقمية متكاملة تتضمن الذكاء الاصطناعي، والتحليلات التعليمية، والتعليم المدمج.

• مركزية الطالب بوصفه محورًا للتعلم النشط والتفكير النقدي.

ختاماً اذا كنا نريد نهضة جامعية حقيقية

فإن تطوير التعليم الجامعي لا يمكن أن يتم عبر إصلاحات جزئية أو قرارات بيروقراطية. إنه مشروع وطني يستلزم إرادة سياسية، ورؤية استراتيجية، ومشاركة مجتمعية واسعة.