أكدت المهندسة هبة عباس، المستشار الفني ورئيس لجنة الاستدامة بجمعية المياه الكويتية، أن الدول العربية تركز في أجندة التنمية المستدامة على العديد من الأولويات التي تتناسب مع احتياجاتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
أوضحت رئيس لجنة الاستدامة بجمعية المياة الكويتة أن من أبرز هذه الأولويات تعزيز الأمن الغذائي والمائي نظرًا لاعتماد العديد من الدول على الموارد المحدودة للمياه والتحديات التي تواجه الزراعة بسبب التغير المناخي. كما تسعى الدول إلى تحسين جودة التعليم كوسيلة رئيسية لبناء رأس المال البشري وتوفير فرص العمل للشباب، الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان المنطقة.
تحقيق التوازن
وأشارت إلى أن الدول العربية تهدف إلى تطوير أنظمة رعاية صحية شاملة ومستدامة تتماشى مع الأهداف العالمية، إلى جانب تعزيز استخدام الطاقة المتجددة لتحقيق التوازن بين الاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية. كما تسعى إلى تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين كعامل رئيسي في تحقيق التقدم الاجتماعي. ولفتت إلى أن تطوير البنية التحتية الذكية والمستدامة يُعد أولوية أخرى للدول العربية، لتلبية متطلبات النمو الحضري المتسارع وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
تعزيز التعاون الإقليمي
وتابعت أن إدارة الموارد الطبيعية المشتركة تتطلب تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية من خلال نهج متعدد المستويات. وأشارت إلى أنه يمكن تحقيق ذلك عبر توقيع اتفاقيات إقليمية تركز على الإدارة المستدامة للمياه والطاقة، مع الالتزام بتطبيق معايير دولية للتوزيع العادل والاستخدام الكفء لهذه الموارد.
وقالت عباس إن الموارد المائية المشتركة، مثل الأنهار والأحواض المائية، يمكن إدارتها من خلال إنشاء مؤسسات إقليمية للإشراف على الاستخدام المستدام وتطبيق تقنيات حديثة مثل إعادة تدوير المياه وتحسين كفاءة الري. وأضافت أن دول المنطقة يمكنها التعاون في تطوير مشاريع كبرى للطاقة المتجددة، مثل مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي تخدم أكثر من دولة وتساهم في خفض التكاليف وتعزيز الاستقلالية عن الوقود الأحفوري.
بناء القدرات المحلية
وشددت أنه يجب على الدول العربية الاستثمار في بناء القدرات المحلية من خلال التدريب المشترك وتبادل البيانات التقنية والبحثية. وأشارت إلى أن الابتكار التكنولوجي، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الموارد، يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا لتعزيز التعاون وضمان استدامة الموارد الطبيعية المشتركة.
التجارب الناجحة
ولفتت إلى أن الاستفادة من التجارب الناجحة بين الدول العربية تعتمد على تبني نهج قائم على مشاركة المعرفة والتعاون الفعّال. وأوضحت أن إنشاء منصات إلكترونية ومنتديات إقليمية يتيح للدول تبادل التجارب في مجالات التعليم، الصحة، الزراعة، والطاقة المتجددة. على سبيل المثال، يمكن لدول مثل الإمارات والسعودية مشاركة خبراتها في بناء مدن ذكية مستدامة، بينما يمكن للمغرب وتونس ومصر تقديم دروس قيمة في تطوير قطاع الزراعة المستدامة وتحسين كفاءة إدارة المياه.
واقترحت عقد مؤتمرات وورش عمل متخصصة بانتظام لتوفير فرص لتبادل الأفكار والابتكارات. وأشارت إلى أن الدول يمكنها تعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي من خلال تمويل مشاريع بحثية مشتركة تهدف إلى تطوير حلول مبتكرة للتحديات الإقليمية، مثل تغير المناخ والأمن الغذائي. وأكدت أن الاستثمار في المبادرات الشبابية وريادة الأعمال سيدعم تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تحديات التعاون الإقليمي
وحول التحديات التي تعوق التعاون الفعّال لتحقيق التنمية المستدامة بين الدول العربية، أوضحت أن من أبرز هذه التحديات النزاعات السياسية والاختلافات الأيديولوجية التي تؤثر على بناء الثقة بين الدول وتعيق العمل المشترك. وأضافت أن التفاوت الكبير في مستويات التنمية والقدرات الاقتصادية يشكل عائقًا أمام تحقيق تكامل اقتصادي وتنموي فعال.
وذكرت عباس أن ضعف البنية التحتية الإقليمية، سواء في النقل أو التكنولوجيا، يمثل تحديًا إضافيًا يجعل التعاون أكثر تكلفة وصعوبة. وأضافت أن غياب السياسات الموحدة والهيئات الإقليمية القوية لمتابعة تنفيذ المشاريع المشتركة يؤدي إلى بطء في تحقيق التقدم. مشيرة إلى أن نقص التمويل والموارد البشرية المؤهلة يزيد من صعوبة تنفيذ خطط التنمية المستدامة على المستوى الإقليمي.
وأضافت أن التغير المناخي والتحديات البيئية، مثل التصحر ونقص الموارد المائية، يزيد من تعقيد الوضع. وأكدت أن هذه القضايا تحتاج إلى استجابات جماعية منسقة تتطلب مستوى عالٍ من التعاون، الذي قد لا يكون متاحًا دائمًا بسبب التوترات السياسية.
تحقيق التكامل الاقتصادي
وحول تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، أوضحت رئيس لجنة الاستدامة أنه مفتاح لتسريع التنمية المستدامة في المنطقة. وشددت على أهمية البدء بإزالة الحواجز الجمركية وتسهيل حركة البضائع والخدمات بين الدول، مما يعزز التجارة الإقليمية ويخلق فرصًا اقتصادية جديدة.
وأشارت إلى أن تطوير شبكة نقل إقليمية متكاملة، مثل السكك الحديدية والطرق السريعة التي تربط بين الدول العربية، يمكن أن يقلل من تكاليف النقل ويعزز الترابط الاقتصادي.
مناطق اقتصادية مشتركة
وأكدت أن إنشاء مناطق اقتصادية مشتركة ومراكز صناعية متخصصة يمكن أن يوفر فرصًا لتطوير سلاسل القيمة الإقليمية وزيادة تنافسية المنتجات العربية عالميًا. وأوضحت أن الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة الإقليمية، مثل شبكة طاقة متكاملة تربط الدول، يدعم التنمية المستدامة ويعزز أمن الطاقة في المنطقة.
وأضافت أن تعزيز الابتكار وريادة الأعمال من خلال إنشاء صناديق استثمار مشتركة وتمويل الشركات الناشئة التي تركز على الحلول المستدامة يمكن أن يدفع المنطقة نحو اقتصاد أكثر استدامة. وأكدت على ضرورة إنشاء مؤسسات إقليمية قوية للإشراف على تنفيذ هذه السياسات وتعزيز التعاون لتحقيق التكامل الاقتصادي المستدام.
رؤية مشتركة
وأكدت رئيس لجنة الاستدامة أن بناء رؤية مشتركة يعد من الأسس الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم العربي. وأشارت إلى أن هذه الرؤية توفر إطارًا موحدًا يوجه جهود الدول نحو تحقيق أهداف مشتركة تتماشى مع الاحتياجات المحلية والإقليمية.
وأوضحت أن تبني رؤية مشتركة يعزز مكانة الدول العربية على الساحة الدولية، حيث يمكنها التحدث بصوت موحد في المحافل الدولية والمفاوضات المتعلقة بالقضايا العالمية، مثل تغير المناخ والتمويل المستدام.
وأعربت عن أمالها في أن تعزز هذه الرؤية المشتركة الشعور بالانتماء والوحدة بين الشعوب العربية، مما يساهم في بناء بيئة إقليمية داعمة ومستقرة تتيح للدول التركيز على التنمية المستدامة بدلًا من النزاعات والانقسامات .