الأحد, 12 أكتوبر 2025, 2:44
نافذة الرأى

ثروت محمد يكتب عن : الأوليجاركية في مصر والتحول الديمقراطي

الأوليجاركية في مصر: هل تمنع التحول الديمقراطي؟

بقلم : الكاتب الصحفى ثروت محمد

«الأوليجاركية تتهدد أمريكا» — بهذه الكلمات حذّر الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، قبيل مغادرته البيت الأبيض، من الخطر الذي تمثله مجموعة الرئيس المنتخب دونالد ترامب على مؤسسات الدولة الأمريكية.

وإذا كانت الولايات المتحدة، الدولة صاحبة المؤسسات الراسخة، والمجالس التشريعية المنتخبة، والإعلام الحر، تشعر بالخوف من هذه الفئة فماذا عن الأوليغارشية فى مصر؟ البلد الذي يعاني من جمود سياسي، وبرلمان منزوع التأثير، وإعلام موجّه؟

فى كتابه القيم «فى انتظار الحرية» يرى المؤلف الكاتب الصحافى أنور الهوارى إن أول خطوة فى استعادة الديمقراطية والحريات فى مصر هى محاربة نفوذ «الاوليجاركيه».

أن يأخذ الشعب المبادرة ويقدم نواب متميزين وممثلين حققيقين للشعب المصرى يسيطرون على غرفتى البرلمان مجلس النواب ومجلس الشورى عن طريق انتخابات حرة نزيهة.

وجود برلمان حقيقي ممثل للمصريين يتصدى للسلطة التنفيذية ويلزمها بتنفيذ بنود الدستور أول خطوات الإصلاح الديمقراطى فى مصر واستعادة الحريات السياسية والحد من نفوذ الاوليجاركية المصرية

لكن من أين جاءت لمصر هذه الأوليغارشية وما هى قوتها ؟

بحسب كتاب «الرأسمالية الطيبة والرأسمالية الخبيثة»،لعدد من الاقتصاديين الفائزين بجائزة نوبل للاقتصاد تُعرّف «الأوليغارشية» بأنها حكم الأقلية الاقتصادية والسياسية، حيث تحتكر مجموعة صغيرة من الأفراد — عادة من أصحاب الثروات أو النفوذ الأمني — مراكز القرار، وتوجّه موارد الدولة ومكاسب النمو الاقتصادي لصالحها فقط، على حساب الأغلبية.

وبحسب كتاب فى انتظار الحرية للمؤلف انور الهوارى أن هذه القلة الحاكمة «الاوليجاركية » نشأت فى مصر منذ حكم الوالى محمد على باشا ١٨٠٥ /١٩٥٢ .

أطلق عليهم المستعمر البريطانى أصحاب المصالح الحقيقية فى البلاد.

نجحت ثورة يوليو فى القضاء على هذه القلة الحاكمة لكن دون أن تدرى ساهمت بدورها فى نشأت هذه الطبقة من جديد كيف؟

يقول الوزير حسن عباس زكى فى حواره للزميلة نشوى الحوفى المنشور فى جريدة المصرى اليوم :

طلبنى الرئيس جمال عبدالناصر وطلب منى الاستعداد لتنفيذ مهمة تأميم النشاط الاقتصادى الأجنبى والمصرى .. مؤسسات .. بنوك .. شركات.. متاجر .. مصانع .. مطاحن إلخ إلخ الخ.

قلت له هذا قرار خطير وله تبعات على الاقتصاد المصرى خطيرة لو تأذن لى أن نستبدل التأميم بفرض ضرائب تصاعدية على كل الانشطة الاقتصادية فى البلاد قد تصل إلى ٤٠٪ من الارباح ولتمهلنى ليوم غدا أقدم لك الدراسة الوافية والتى تحقق هذا الغرض.

وبالفعل ذهبت فى اليوم التالى لأقدم ما اقترحته بالأمس لكن سبقى المشير عامر بقوله لى: يا حسن اتخذنا قرار التأميم خلاص وأكمل الرئيس جمال الحديث بقوله:أنت الذى سوف تنفذ قرار التأميم .

وبالفعل تم التنفيذ وأمسكت الدولة بالسلطة السياسية والمقدرات الاقتصادية منذ ذلك التاريخ وربما نجحت كثيرا فى البدايات .

لكن الشيطان دائما يكمن فى التفاصيل.

لم تمض الأمور بصورة وردية فلم تمر سنوات حتى نقل الدكتور أسامة الغزالى حرب فى كتابه «مصر تراجع نفسها» عن الأستاذ محمد حسنين هيكل فى أحدى مقالاته قوله:

الذين أوكلت إليهم الدولة مهمة إدارة الاقتصاد الضباط أو مجموعة المديرين الذين اعتبروا أنفسهم أنهم طبقة جديدة.. جاءت لترث طبقة قديمة، وتريد أن تستمتع بكل امتيازاتها وإن هذه الطبقة الجديدة تقود عملية أوسع بكثير من حدود مهمتها العامة وأكبر من خبراتها.

هذه الطبقة الجديدة من الضباط، والمديرين الجدد استعانوا بالمتخصصين أحيانا وومع مرور الوقت استعانوا بمديرو مكاتبهم أحيانا وربما الاقارب والمحاسيب أحيانا أخرى فى تولى إدارة هذه الصروح الاقتصادية .

هؤلاء الذين بدلا من قيامهم بتحويل عوائد التنمية إلى الموازنة العامة للدولة المصرية قاموا بمراكمة هذه العوائد لأنفسهم واستثمروها لصالحهم وبمجرد ما أعلن عن بدء سياسة الانفتاح الاقتصادى عام ١٩٧٥ تصدروا هم المشهد واصبحوا طبقة رجال الأعمال الجديدة بأموال المصريين.

هم من يستوردون وهم من يحصلون على الأراضى ويقومون بتسقيعها وهم من يحصلون على الإعفاءات من الضرائب وهم من يسيطرون على البرلمان وهم من يحتكرون السياسة وهم من يفشلون الأحزاب وهم من يلتفون حول كل حاكم .

«الاوليجاركية» بنكهة مصرية من أبرز مظاهرها تحالف المال والسلطة.

تجدها تحول البرلمان السلطة التشريعية إلى برلمان بلا معارضة حقيقية،

والاحزاب السياسية إما مروضة أو محدودة التأثير أو مجمدة.

والإعلام يتحول إلى أداة دعاية فى أيدى القوى النافذة مع تراجع واضح للمجتمع المدنى.

وتشير تقارير الشفافية الدولية إلى تراجع ملحوظ فى مؤشرات الحكم الرشيد والرقابة والمساءلة.

ورغم كل ما سبق يمكن الوصول إلى طريق للإصلاح والعودة بمصر سريعا للتقدم فى كل المجالات وذلك باتباع التحول الديمقراطي الحقيقي يبدأ بتفكيك شبكة المصالح الضيقة، ويتطلب:

– تحرير الإعلام.

– إعادة بناء الحياة الحزبية.

– تمكين البرلمان.

– فك التشابك بين الاقتصاد والسلطة.