عبير فؤاد
طرح دارون أوغلو الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد للعام الحالي،صاحب النظرية المثيرة حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد.. يحيطه بالفجوات بدلاً من قفزات النمو والإنتاجية والأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، توقعات وآراء مثيرة حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على العمل والاقتصاد في محاولة لوضع تنبؤ حول تداعيات الأتمتة والذكاء الاصطناعي على مستقبل الاقتصاد العالمي.
واستعان بآراء العالم الاقتصادي دافيد ريكاردو في كتابه حول مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب في أعقاب ثورة الآلات وتراجع الاعتماد على العمالة اليدوية، عندما قال “إذا كانت الآلات قادرة على القيام بكل العمل الذي تتولاه العمالة الآن، فلن نجد أي طلب على العمالة”. وهو ما يعتبره أوغلو كبد الحقيقة وما يتطابق بشكل كبير مع أسباب القلق على الحال اليوم من استبدال الذكاء الاصطناعي لمهام العاملين وتهديدهم بعدم التمكن من العثور على مهام أخري مناسبة بأجور مجزية.
ويري أوغلو في ورقة بحثية أعدها المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية بعنوان “الاقتصاد الكلي البسيط للذكاء الاصطناعي”، إن التوقعات بأن الذكاء الاصطناعي سيحسن الإنتاجية ويعزز الأجور هي اقوال مبالغ فيها وغير غير صحيحة بشكل كافي.
ويوضح أن تداعيات الذكاء الاصطناعي سوف تطول الاقتصاد الكلي والإنتاجية والأجور وعدم المساواة، وإن كان من الصعب للغاية التنبؤ بها جميعًا الأن. إلا أن التاريخ يدلنا على أن الذكاء الاصطناعي قد لا يفعل الكثير لتعزيز الإنتاجية، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى توسيع فجوة الدخل بين أصحاب رأس المال والعمال بدلاً من توقع ارتفاع النمو.
واستطاع أوغلو خلال العام الحالي وضع تفسيرات دقيقة حول التشكيك في صحة التوقعات المتفائلة حول دور الذكاء الاصطناعي وتقنيات الأتمتة في تحقيق قفزات نمو في الناتج المحلي العالمي خلال العشر سنوات المقبلة.
و أشار تقرير معهد ماكينزي العالمي إلي زيادة متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 0.5 إلى 3.4 نقطة مئوية في الاقتصادات المتقدمة. بينما اقتصرت تقديرات بنك جولدمان ساكس علي زيادة قدرها 7% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فضلاً عن رفع الإنتاجية بنسبة 1.5 نقطة مئوية.
ويري أوغلو أن الترويج للأتمتة أفاد أصحاب الأعمال مستنداً إلى التقديرات الإحصائية التي قدرت تخفيضاَ بمقدار 27 % في تكاليف العمالة، ولكن هذه الأرقام لا تعني بالضرورة تعزيز الإنتاجية. تشير هذه الحسابات إلى أن تأثيرات إنتاجية العامل الإجمالي خلال السنوات العشر القادمة يجب ألا تزيد عن 0.66% فقط.
ويتوقع الفائز بجائز نوبل، أن تقتصر مساهمة الذكاء الاصطناعي في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسب تتراوح من 0.93% إلي إلى 1.16% فقط خلال العقد المقبل وذلك في أفضل السناريوهات تفاءلاً من وجهة نظره. وذلك لأن هذه التقديرات تستند إلى تداعيات أتمتة المهام السهلة، ولكن في الحقيقية فالمهام المستقبلية قد تكون أكثر تعقيدا وأقل قابلية للتشغيل الآلي على حد وصفه. ولذلك فهو يؤكد أنه ستكون هناك زيادة أكثر تواضعاً في الإنتاجية والناتج المحلي العالمي في السنوات العشر المقبلة بما يقدر بنحو 0.53% -0.90%.
كما قد لا يؤدي نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى تحسين الرفاهية الاقتصادية الشاملة إذا كان الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يجلب معه تكاليف إضافية، مثل زيادة متطلبات استهلاك الطاقة على سبيل المثال. ولكن يبدو أن صناعة التكنولوجيا لديها اعتبارات أخري بحسب قول أوغلو، إذ تفضل الشركات الكبرى التي تعمل على تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي إلى تخفيض واستبدال العاملة بدلاً من تعزيز القدرة وجعلهم أكثر إنتاجية. هذا يعني أننا نواجه خطر الإفراط في التشغيل الآلي حيث يستبدل أعداد كبيرة من العاملين بدون إيجاد فرص عمل أخري تستوعبهم بأجور مجزية.
ويواصل أوغلو تفسيراته بأن القول بإن الذكاء الاصطناعي سوف يساهم في تحسين الأجور بشكل كبير هو قولاً غير دقيق، فإذ اعتقدنا بإن التكنولوجيا سوف تحسن إنتاجية العمال ذوي الأداء المنخفض والمتوسط، فإنها قد لا تقلل من عدم المساواة. بل من المرجح تأثيره السلبي على الدخل الحقيقي للنساء وبخاصة ذوات التعليم المنخفض. وهو ما يؤدي في النهاية إلى توسيع الفجوة بين رأس المال ودخل العمل ككل. ناصحاً بضرورة التركيز على خلق فرص للعاملين وتطوير مهاراتهم إذ أردنا تحقيق نتائج أفضل في المستقبل.
دارون أوغلو أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو مؤلف مشارك (مع جيمس أ. روبنسون) لكتاب لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر.
تفسيرات النمو الاقتصادي في ضوء متغيرات الابتكار والثورة التكنولوجية واسعة النطاق وتأثيراتها على الحقوق الفردية تعد واحدة من محاور اهتمام أوغلو التي دفعت لفوزه بجائزة البنك المركزي السويدي في العلوم الاقتصادية لعام 2024 في ذكرى ألفريد نوبل. عن مجمل أبحاثا وتفسيرات الرائدة حول العلاقة بين النمو الاقتصادي والمتغيرات والأنظمة السياسية التي قدمها.
تقاسم الجائزة مع كلا من سيمون جونسون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي عمل معه عن كثب في صياغة الكثير من التحليلات والرؤى الاقتصادية، وكذلك عالم السياسة جيمس روبنسون من جامعة شيكاغو.