الثلاثاء, 2 ديسمبر 2025, 16:43
نافذة الرأى

الدكتور علي الدكروري يكتب : الإنسان قبل الاقتصاد !!

الإنسان قبل الاقتصاد: كيف نصنع قوة لا تهتز؟!!

بقلم: د. علي الدكروري

هناك لحظة في حياة كل دولة تدرك فيها أن مستقبلها لن يُبنى على ضخامة المشروعات وحدها، ولا على الأرقام التي تُعلن في المؤتمرات، بل على الإنسان الذي يصنع هذه الأرقام ويقف خلف كل إنجاز.

قد تتغير الأسواق، وتتقلب المؤشرات، وتنهار أرباح وتعلو أخرى، لكن الإنسان الواعي المتعلم القادر على التطور يظل هو الثبات الحقيقي وسط هذا كله.

الإنسان هو نقطة البداية

في كل مرة أنظر فيها لتجارب الدول الناجحة، أرى درسًا واحدًا يتكرر: البداية لم تكن في المال، بل في الإنسان.

الدول التي احترمت عقل المواطن، ووفرت له تعليمًا محترمًا، ومسارًا مهنيًا واضحًا، ورعاية صحية تليق به، هي نفسها التي صنعت اقتصادًا قويًا ومستقبلاً آمنًا.

العقل هو المصنع الأول. وكل ما يأتي بعده نتائج طبيعية لما يُزرع فيه من علم، وما يُمنح له من فرص.

الاقتصاد بلا إنسان يفقد روحه

يمكن لأي مؤسسة أن تُعلن أرباحًا كبيرة، لكن القيمة الحقيقية تظهر عندما نرى أثر هذه الأرباح على العامل نفسه، على أسرته، وعلى مجتمعه.

الأرقام وحدها لا تصنع انتماء.

ولا تبني ولاء.

ولا تخلق استقرارًا.

وإذا كان الهدف فقط هو تحقيق مكاسب مالية دون تعزيز جودة حياة الناس، فهذه مكاسب قصيرة العمر، لا تصمد أمام الأزمات.

قوة المجتمع تبدأ من احترام الفرد

عندما نمنح الإنسان أدوات النجاح، نمنح المجتمع بأكمله قدرة على النهوض.

المدرسة الجيدة ليست مبنى، بل مصنع أجيال.

المستشفى الجيد ليس خدمة، بل استثمار في عمر وصحة وقدرة.

وفرصة العمل ليست راتبًا فحسب، بل كرامة ومسار حياة.

هذه العناصر مجتمعة تبني الثقة، وتولد الانتماء، وتُعطي المواطن القوة ليواجه تحديات يومه ومستقبل أولاده.

مصر ونموذج الاستثمار في الناس

ما يحدث في مصر خلال السنوات الأخيرة هو مؤشر واضح على هذا الاتجاه.

تحسين القرى، رفع مستوى الخدمات، تطوير البنية الأساسية، كلها خطوات لا هدف لها سوى بناء إنسان قوي، يشعر بأنه جزء من مشروع وطني كبير، وأن الدولة تراهن عليه قبل أن تراهن على أي شيء آخر.

المبادرات التي تُركز على الريف، وعلى الفئات الأكثر احتياجًا، وعلى التعليم والصحة، أصبحت اليوم جزءًا أساسيًا من معادلة التنمية، لأنها تستثمر في الجذور قبل الثمار.

المستقبل ملك لمن يراهن على الإنسان

لا يمكن لأي اقتصاد أن يتحمل صدمات المستقبل إذا كان الإنسان فيه مهمشًا أو مرهقًا أو بلا فرص.

القيمة التي يصنعها الإنسان المتعلم الواعي لا تضاهيها أي آلة، ولا يعوضها أي رقم في دفتر حسابات.

ولهذا، يبقى الاستثمار فيه هو القرار الأكثر حكمة، والأكثر فاعلية، والأطول تأثيرًا.

نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى المواطن لا كمتلقي خدمات، بل كشريك في البناء.

وكل جنيه يُصرف على تعليمه وصحته وفرصه هو حجر جديد في أساس دولة تقف بثبات.

خاتمة

قد تتغير الأرقام، لكن الإنسان هو الذي يبقى.

وقد تخسر مؤسسة أرباحها، لكن المجتمع الذي تم الاستثمار في أفراده لا يخسر أبداً.

المعادلة واضحة:

استثمر في الإنسان… ينهض معك الوطن كله.

هذا هو الرهان الذي أؤمن به، وهذا ما أثق أنه سيصنع مستقبلًا أقوى لمصر ولأي مجتمع يضع الإنسان في صدارة أولوياته.