الجمعة, 13 ديسمبر 2024, 7:03
تكنولوجيا واتصالات نافذة الرأى

كيف يهدد الذكاء الاصطناعي نزاهة الانتخابات؟

كيف يهدد الذكاء الاصطناعي نزاهة الانتخابات؟

بقلم : عبير فؤاد أحمد

كاتب متخصص في تأثير التكنولوجيا على المجتمع

لم تعد السياسة كما عرفناها. فمع اقتراب الانتخابات الأمريكية، يتضح جلياً أننا نشهد تحولاً جذرياً في كيفية تشكيل الرأي العام وتوجيه الناخبين. الخطر الجديد لا يأتي من الدعاية السياسية التقليدية أو التضليل الإعلامي المعتاد، بل من مصدر أكثر خفاء وتأثيراً وهو خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

في تصريح مثير للقلق، حذر رجل الأعمال الأمريكي البارز مارك كوبان من أننا نعيش أول موسم انتخابي تقوده الخوارزميات بشكل كامل. فلم تعد البرامج السياسية أو شخصيات المرشحين هي ما يحرك الناخبين، بل باتت خوارزميات المنصات الاجتماعية هي من تقرر ما نراه وما نفكر فيه.

تخيلوا معي مشهداً انتخابياً حيث يتلقى كل ناخب نسخته الخاصة من “الحقيقة”. فيديوهات مزيفة لا يمكن تمييزها عن الحقيقية، مكالمات آلية تنتحل شخصيات السياسيين، وروبوتات محادثة تنشر معلومات مضللة. هذا ليس سيناريو فيلم خيال علمي، بل هو واقعنا اليوم. حيث تستخدم المنصات الاجتماعية خوارزميات متطورة لتحديد ما يراه المستخدمون، مما يؤثر بشكل مباشر على تصوراتهم وقراراتهم السياسي ويخلق حالة من التحيز المبرمج.

الأخطر من ذلك، كما كشفت دراسة حديثة من جامعة براون، أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكن “تدريبها” لتتبنى توجهات سياسية محددة. بمعنى آخر، يمكن لأي جهة تمتلك الموارد التقنية أن تصنع روبوتات محادثة تروج لأيديولوجيتها السياسية، متنكرة في ثوب الحياد والموضوعية.

وهو ما يجعل مخاطر المعلومات المضللة تتجلي في عدة اشكال مثل تلقي المكالمات الآلية المزيفة وكذلك صعوبة التمييز بين المحتوي الحقيق والمزيف.

لكن الخطر لا يكمن في التقنية نفسها، بل في من يتحكم بها. فقد تحولت السلطة الحقيقية من السياسيين التقليديين إلى مطوري الخوارزميات، وشركات التكنولوجيا المسيطرة علي منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك فرق الحملات القادرة علي هذا التلاعب الرقمي. من يستطيع التلاعب بهذه الخوارزميات يستطيع التلاعب بعقول الناخبين.

لعلنا نتذكر أن الديمقراطية تقوم على افتراض مفاداه أن الناخبين قادرون على اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على معلومات موثوقة. لكن ماذا يحدث عندما تصبح “الحقيقة” نفسها منتجاً رقمياً قابلاً للتلاعب؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الديمقراطية في عصر الذكاء الاصطناعي. ربما إن المعركة القادمة لن تكون على منصات الخطاب التقليدية، بل في عالم الخوارزميات والبيانات الضخمة.

في مواجهة هذا التحدي غير المسبوق، نحتاج إلى ثورة مضادة في الوعي والتنظيم. يجب أن تتضافر جهود المشرعين والتقنيين والمجتمع المدني لوضع ضوابط صارمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال السياسي. فضلا عن صياغة آليات مرنة لمراقبة المحتوي المولد بالذكاء لاصطناعي، وكذلك فرض معايير ضمان شفافية علي المنصات الرقمية. كما يجب تعزيز الوعي العام بمخاطر المعلومات المضللة وتدريب الناخبين على التفكير النقدي في العصر الرقمي.

دروس من تجربة الانتخابات الأمريكية نستطيع استخلصها إذا أردنا حماية نزاهة العملية الديمقراطية، فعلينا أن نتحرك سريعاً لتنظيم هذا المجال قبل أن تصبح الديمقراطية نفسها ضحية للثورة الرقمية.