الجمعة, 13 ديسمبر 2024, 8:47
نافذة الرأى

عصر جديد من الرعاية الصحية بدمج الذكاء الاصطناعي

عصر جديد من الرعاية الصحية بدمج الذكاء الاصطناعي

بقلم : عبير فؤاد احمد

كاتب متخصص في تأثير التكنولوجيا علي المجتمع

في تطور علمي لافت، نجح باحثون من جامعة واشنطن ستيت الأمريكية في تطوير نموذج للذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف الأمراض في الأنسجة البشرية والحيوانية بسرعة ودقة تفوق قدرات الطبيب البشري. هذا الإنجاز العلمي، الذي نُشر في مجلة Scientific Reports المرموقة، يمثل نقلة نوعية في مجال التشخيص الطبي والبحث العلمي.

إن ما يميز هذا الابتكار العلمي، هو قدرته الفائقة على تشخيص الأمراض في دقائق معدودة، مقارنة بساعات طويلة يقضيها الطبيب في تحليل العينات النسيجية. والأكثر إثارة للدهشة أن النظام تمكن من اكتشاف حالات مرضية فاتت على الفرق الطبية البشرية المدربة، مما يفتح آفاقاً جديدة في مجال التشخيص المبكر للأمراض.

يستخدم النموذج تقنية “التعلم العميق” التي تحاكي عمل الدماغ البشري في قدرته على تحليل صور عالية الدقة تحتوي على مليارات البكسلات، التعلم من أخطائه وتحسين أدائه تلقائياً، معالجة الصور بطريقة ذكية تشبه التكبير والتصغير في المجهر. وهو ما ينعكس على حاضر ومستقبل البحث العلمي وتشخيص الأمراض.

إعادة تشكيل مستقبل الممارسات الطبية بفضل تقنيات الذكاء أصبح حقيقة. ومنها الدور البارز للواقع المعزز الذي أتاح رؤية الأعضاء الداخلية للجسم بتفاصيل غير مسبوقة، تحديد موقع الأورام وحجمها بدقة متناهية، تخطيط العمليات الجراحية بشكل أكثر دقة وفعالية بعدما اكسب التصوير ثلاثي الأبعاد مفهوم جديد. يشير تقرير نشرته مجلة “Digital Health” في مطلع عام 2024 إلى أن دمج تقنيات الواقع المعزز مع أنظمة التصوير الطبي المتقدمة أدى إلى تحسين دقة التشخيص بنسبة تتجاوز 40%. هذا التطور الملحوظ يتجلى في عدة مجالات:

ويمتد الأمر إلى تطوير التشخيص التفاعلي القائم على تحليل البيانات الطبية في الوقت الفعلي، وتتبع تطور الحالة المرضية بشكل استباقي. وتشير التقديرات من المتوقع أن يصل حجم سوق الواقع المعزز في المجال الطبي إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2026، مما يعكس الإمكانات الهائلة لهذه التقنية في تحويل مشهد الرعاية الصحية العالمي

تتزامن هذه النتائج مع دراسات مماثلة في مراكز بحثية عالمية. فقد نشرت مجلة Nature Medicine مؤخراً نتائج مشابهة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث حقق الذكاء الاصطناعي دقة تشخيص تصل إلى 97% في حالات سرطان الثدي. ناهيك عن دوره في تحسين الممارسة العلاجية من خلال تحسين دقة الإجراءات وبالتالي تقليل الأخطاء الطبية وتقليص وقت العمليات.

دوراً أخرا لا يقل أهمية إذ يمثل الواقع المعزز نقلة نوعية في مجال التعليم الطبي. من خلال إتاحة محاكاة العمليات الجراحية بدقة عالية، – تدريب الأطباء على الإجراءات المعقدة دون مخاطر، وتعزيز فهم التشريح البشري بشكل تفاعلي.

وما بين خبرة الطبيب البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي المتطورة. يبدو أن البشرية على اعتاب عصر جديد في مجال الرعاية الصحية. فهذه التقنيات لا تقدم فقط حلولاً للتحديات الحالية في مجال الرعاية الصحية، بل تفتح آفاقاً جديدة للابتكار والتطور. مع استمرار التقدم التكنولوجي، سيصبح الواقع المعزز جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الصحية العالمية، مما يعد بمستقبل أكثر دقة وفعالية في مجال الرعاية الصحية.

ويظل التحدي الحقيقي الآن يكمن في مدي الاستعداد للاستفادة من هذه التقنيات الواعدة، مع الحفاظ على دور الطبيب البشري كموجه ومشرف. كذلك ضمان الوصول العادل لهذه التقنيات المتطورة في جميع أنحاء العالم، وتطوير الكوادر البشرية القادرة على استخدامها بكفاءة. فضلا عن الاستثمار في البنية التحتية والتدريب والبحث العلمي لضمان الاستفادة القصوى.