الأحد, 23 فبراير 2025, 17:59
نافذة الرأى

عبير فؤاد تكتب : الملابس المستعملة ووهم إعادة التدوير وحقيقة الكارثة البيئية

الملابس المستعملة…

وهم إعادة التدوير وحقيقة الكارثة البيئية

بقلم : عبير فؤاد أحمد

في عالم يزداد وعياً بالمشاكل البيئية، أصبح الاتجاه إلى إعادة تدوير الملابس المستعملة، رمزاً للاستدامة وحماية البيئة. لكن ماذا لو اكتشفنا أن هذه الخطوة، التي نعتقد أنها “صديقة للبيئة”، قد تكون جزءاً من مشكلة أكبر؟ هذا بالضبط ما كشفته منظمة “السلام الأخضر” الأسبانية حول مصير الملابس التي نرميها في حاويات إعادة التدوير.

في تحقيق مثير للقلق، قامت المنظمة بتتبع 23 قطعة ملابس لمدة عام كامل. وكشفت النتائج عن رحلة مذهلة لهذه القطع التي قطعت في المتوسط مسافة 9,000 كيلومتر لكل قطعة. وبلغ إجمالي المسافة المقطوعة 205 ألف من الكيلومترات، وهو ما يعادل الدوران حول الأرض خمس مرات. إلي أن ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات في دول الجنوب العالمي، حيث تصبح جبالاً من القمامة أو تُحرق في الهواء الطلق، مسببة تلوثاً بيئياً هائلاً.

وفي حالة لافتة للنظر، سجلت إحدى قطع الملابس رحلة استمرت 215 يوماً، قاطعة مسافة 22 ألف كيلومتر، في 3 قارات مختلفة. بداية من مدريد في وسط أوروبا إلى أبيدجان في غرب أفريقيا، مروراً بدولة الإمارات في غرب آسيا.

وتزداد المشكلة تعقيداً عند النظر إلى الأرقام الأوروبية الرسمية. فوفقاً لتقرير الوكالة الأوروبية للبيئة لعام 2024، ينتج الاتحاد الأوروبي 6.95 مليون طن من النفايات النسيجية سنوياً، أي ما يعادل 16 كيلوجراماً للفرد. والمقلق في الأمر أن 4.4 كيلوجرام فقط يتم جمعها بشكل منفصل لأغراض إعادة الاستخدام المحتمل، بينما ينتهي 11.6 كيلوجرام في سلة المهملات مع النفايات المنزلية الأخرى.

وتكشف الإحصائيات عن مصير مأساوي لهذه الملابس، حيث تنتهي 46% من المنسوجات المهملة من الدول الأوروبية في أفريقيا، و41% في آسيا. والأسوأ من ذلك أن 40% من الملابس التي تصل إلى أفريقيا يتم حرقها أو تنتهي في مكبات النفايات حيث لا يمكن بيعها حتى بأسعار زهيدة نتيجة تغير تركيبة الملابس وزيادة الاعتماد على المواد الاصطناعية مثل البوليستر والنايلون. وفي كينيا على سبيل المثال، تشير منظمات إعادة التدوير المحلية إلى أن 40% من الملابس المستعملة الواردة ذات جودة متدنية لدرجة تجعلها غير صالحة للاستخدام.

بعداً أخراً لابد من الالتفات إليه وهو أن صناعة النسيج تساهم بنحو 10% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وما يفاقم المشكلة، ما ترصده التقارير الدولية من تضاعف تصدير الملابس المستعملة من الاتحاد الأوروبي بنحو ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة، من 550 ألف طن في عام 2000 إلى 1.7 مليون طن في عام 2019. والسؤال هنا هل هذه ملابس مستعملة أم نفايات مقنعة؟

والحل الحقيقي يكمن في إعادة النظر في نموذج الإنتاج والاستهلاك للملابس والذي أثبت اختلال واضح حيث يتجاوز بكثير قدرة الكوكب على تحمله من حيث حجم النفايات أو إعادة التدوير بشكل صحيح. أيضا لابد من الاهتمام بتحسين جودة المواد المستخدمة في صناعتها، وصولاً إلى تحميل الشركات المسؤولية الكاملة عن دورة حياة منتجاتها. ولما لا فلابد من تقاسم المسئولية بين المستهلكين والشركات المصنعة والحكومات حول العالم.

فلا يمكن أن تقع مهمة التخلص الآمن من النفايات على عاتق المستهلك وحده، الذي يظن أن وضع ملابسنا المستعملة في حاويات إعادة التدوير كافي لتبرئة الضمائر من الإضرار بالبيئة. بل يجب أن نكون واعين بتأثير لأنماط استهلاكنا. فالتحدي الحقيقي يكمن في تطوير نظام إعادة تدوير فعال ومستدام يراعي البيئة ويضمن مستقبلاً أكثر استدامة للأجيال القادمة.