الإثنين, 10 فبراير 2025, 12:42
نافذة الرأى

د مصطفى الزائدي يكتب : أزمة ليبيا فى مبعوثي الأمم المتحدة

‏المبعوث العاشر !

بقلم : الدكتور مصطفى الزائدي

‏توافق مجلس الأمن على تعيين الغانية هانا سيروا تيتيه مبعوثا جديدا للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، وبذلك تصبح عاشر رئيس لبعثة الأمم المتحدة التي تغيرت تسميتها عدة مرات وفقا لطبيعة المرحلة التي عملت بها.

اختلفت ردود أفعال النخب الليبية حول تعيين موظفة جديدة رئيسا لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، البعض اعتبرها محاولة لإجهاض مقترح استيفاني خوري بتشكيل لجنة استشارية يبدو أنها لن ترى النور، والبعض الآخر يرى أن تعيين موظفين صغار من دول ليست ذات نفوذ بمجلس الأمن يجعلهم مجرد كتبة لا حول لهم ولا قوة، وبعض متفائل اعتبارا للمثل الليبي “تغيير السروج قد يحدث بعضا من الراحة”.

إلا أن أغلب الليبيين لا يعيرون أي اهتمام لهذه التغييرات لأنهم يدركون أن الوضع باق على ما هو عليه، ولن يحدث أي تغيير سواء كان المبعوث عربيا أم إفريقيا أم من دول أجنبية أخرى، ومهما اختلفت أسماؤهم والسبب أن البعثة موجودة في ليبيا لكونها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أجاز للدول مجتمعة أو منفردة التدخل في شؤونها الداخلية ووضعها تحت الوصاية الدولية، فمن مهام البعثة الأساسية إدارة الأزمة الليبية، وليس البحث في حلول لها، وهكذا كان عملها خلال عقد ونصف من الزمان، لقد تم تحت أعينها كل أعمال الفساد والقمع والصراعات الدموية وعمت خلالها الفوضى العارمة في طول البلاد وعرضها، ولم تكن المحاولات المظهرية لحل الأزمة سوى أفكار خيالية استعراضية ومقترحات جوفاء بدون آليات عمل تنفيذية، حملت في داخلها بذور فشلها.

وللتذكير فالبعثة التي تتغير إدارتها بقرار من مجلس الأمن تتكون من بضعة موظفين صغار يهتمون بالدرجة الأولى بمصالحهم الشخصية، ولا يأبهون بمآل الأزمة الليبية، كما أنهم استفادوا من حالة الفوضى والعبث والفساد المنتشرة في الساحة الليبية ليكونوا لأنفسهم ثروات كبيرة ويكتسبوا نفوذا ولو مؤقتا بين الأطراف السياسية المتصارعة في ليبيا ويجدوا موضعا ضمن الكادر الوظيفي لهيئة الأمم المتحدة السخية، إن 14 سنة الماضية كافية لتقييم حقيقة البعثة ودورها وفهم أغراضها بعيدا عن الدعايات المصاحبة لعملها التي تحاول تغطية عين الشمس بالغرابيل، قلة من الليبيين ممن يقدمون نفسهم كنخب سياسية يحاولون أن يجدوا في تغيير المبعوثين فسحة للتفاؤل، وكثير من أولئك مجرد طامعين أو حالمين يعتقدون بأن البعثة قد تؤمن لهم فرصة للصعود في سلم السلطة.

لا يحتاج المرء إلى جرد حساب دقيق ليفهم حقيقة المبعوثين والبعثة رغم اختلاف أداء المبعوثين من الخطيب إلى مارتن إلى متري إلى ليون إلى كوبلر إلى سلامة إلى كوبيتش إلى ستيفاني الأولى إلى باتيلي إلى ستيفاني الثانية إلى تيتيه، فإن طريقة عمل البعثة لم تتغير إطلاقا، فهي تعمل بأسلوب تراكم الأوراق والملفات حيث تكثر الخطط والمقترحات والأفكار النظرية التي تطرح كل فترة لإحداث نوع من التفاؤل بين السياسيين وسرعان ما تنتهي فاعلية تلك الأفكار المطروحة ويعود الأمر إلى المربع الأول لتوهم الناس أن البعثة منهمكة في وضع خطط حل عملية.

بعيدا عن حقيقة أن الأمم المتحدة لم تنجح إطلاقا في حل أي أزمة في أي مكان من العالم عبر تاريخها بسبب تناقض مصالح الدول الكبرى المهيمنة عليها، فإن الأزمة الليبية الناتجة عن التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية ليست بذلك التعقيد لتستوعب هذا الكم من المبعوثين والملفات والبرامج والخطط واللقاءات والمؤتمرات التي يهدف معظمها لصرف أموال ليس إلا!

ما سنراه في الفترة القادمة أن مقترحات ستيفاني خوري ولجنتها الاستشارية وخطتها الانتخابية ستوضع في الأدراج رغم موافقة مجلس الأمن عليها أسوة بما فعلته خوري نفسها مع مخطط حوار باتيلي الخماسية، وستبدأ السيدة تيتيه جولات خارجية وداخلية ولقاءات مضيقة وموسعة لتقدم نهاية العام مقترحا إلى مجلس الأمن لن يرى النور لأن الوقت يكون قد حان لتعيين مبعوث جديد وهلم جرا!

ولقد كان واضحا دور المبعوثين في إفشال مبادرات الحل الليبية، ولعل أبرزها ما قام به برناندينيو ليون لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية عام 2014 وتحويل مجلس النواب المنتخب إلى مجرد طرف هامشي أحيانا في المفاوضات التي تشبه مضغ الهواء، وكلما اقتربت الأطراف الليبية من التوافق على مبادرة تسرع البعثة إلى إجهاضها عبر مبادرة موازية أو مضادة، فلقد تبجحت البعثة بإفشال حوار القاعدة الدستورية المطول وقوانين لجنة الستات لأنها ربما رأت فيها وسيلة لإجراء انتخابات والخروج من الأزمة!

خلاصة القول السيدة تيتيه لن تأتي بجديد وستذهب في هدوء كما أتت من المجهول!