الإثنين, 10 فبراير 2025, 13:03
الرئيسية تجارة وصناعة سيارات نافذة الرأى

دكتور سمير علي يكتب : سياسة الحصان الميت فى إدارة الشركات

سياسة الحصان الميت فى إدارة الشركات 

بقلم : دكتور مهندس سمير علي

خبير الإدارة وصناعة السيارات

في عالم إدارة الأعمال، تتسم القرارات الإدارية الناجحة بالقدرة على التكيف مع التحديات وتطوير استراتيجيات فعّالة لمواجهة التغيرات. ومع ذلك، تظهر أحيانًا ممارسات إدارية تُعبر عن التمسك بأساليب أو مشاريع فاشلة على الرغم من وضوح عدم جدواها.

يُطلق على هذه الظاهرة “استراتيجية أو سياسة الحصان الميت”، وهي استعارة ساخرة تعود إلى مقولة قديمة مفادها: “إذا كنت تركب حصانًا ميتاً، فإن أفضل شيء يمكن فعله هو النزول عنه”.

جوهر سياسة الحصان الميت

 

تعكس سياسة الحصان الميت الميل إلى الإصرار على استخدام موارد أو استراتيجيات غير فعّالة بدلاً من الاعتراف بالفشل أو اتخاذ قرارات جذرية لتغيير الوضع. في سياق الشركات، قد يظهر ذلك في استمرار الاستثمار في منتجات غير مربحة، أو التمسك بنماذج عمل قديمة، أو التردد في التخلص من أفراد غير قابلين للتطوير أو تقنيات عفا عليها الزمن.

وللأسف هناك العديد من الشركات (طبعا ممثلة في إداراتها العليا) بدلاً من الاعتراف بالحقيقة، واتخاذ قرار النزول من على الحصان الميت في الوقت المناسب، يتعامون ويتفننون في تبرير الفشل بل ومحاولة إيهام الآخرين سواء كانوا المساهمين أو العملاء بأنهم مازالوا في مقدمة مضمار السباق!! وفي كثير من الأحيان يتخذون اجراءات ليس لها أي هدف سوى خلط الأوراق والتعتيم على المشكلة الحقيقية وصرف الأنظار عن النتائج الحقيقية ومنها:

*يأتون بسرج جديد أو بعلف مختلف للحصان.

 *تغيير الفارس الذي يركبه.

 *عزل الموظف الذي يتولى رعايته ويأتون بموظف جديد بدلاً عنه.

*عقد اجتماعات لمناقشة اجراءات لزيادة سرعة الحصان.

* تشكيل لجان وفرق عمل لدراسة أداء الحصان الميت وتحليل الموضوع من كل الجوانب، ثم اللجنة تعمل لأشهر ثم ترفع التقارير ومقترحات حلول لتحسين أداء الحصان الميت.

 *ثم تتوصل اللجان لنفس النتيجة، المعروفة من البداية “الحصان ميت”.

*الاستكبار في الاعتراف بالحقيقة، بل ومن أجل مزيد من التبرير يقارنون حصانهم بأحصنة ميتة مثله.

* إعادة تصنيف الحصان الميت على أنه “يعاني من إعاقة حيوية”.

* ثم يوصون بأن الحصان قد مات بسبب نقص التدريب، ويحتاج إلى دورات تدريبية عاجلة. وهذه الدورات طبعا تتطلب زيادة ميزانية الحصان.

 *أو يعيدون تعريف كلمة “ميت” لكي يقنعوا أنفسهم بأن الحصان ما زال حيا!!

* ثم تخفيض محددات الأداء المتوقعة للأحصنة ثم الإعلان أن الحصان الميت وبفضل تقليل النفقات العامة، يحقق أداءً أفضل من أي وقت مضى.

*وأخيرا، ترقية الحصان الميت إلى منصب إشرافي!!

هذه النظرية تكشف أن هناك الكثير من إدارات الشركات تفضل البقاء في حالة إنكار للواقع وإضاعة الوقت والجهد والأموال في محاولات فاشلة، بدلاً من الاعتراف بالمشكلة مبكراً والتخطيط الصحيح لمعالجتها قبل فوات الأوان.

كيف تتجلى سياسة “الحصان الميت” في الإدارة؟

1. الإصرار على منتج فاشل: كثيراً ما تستثمر الشركات مبالغ كبيرة في تطوير منتج جديد، وعندما يُطرح في السوق ويتبين أنه غير ناجح، تتجنب الاعتراف بالفشل وتستمر في ضخ المزيد من الأموال والتسويق له. ومن أهم الأمثلة على ذلك شركة “كوداك”، التي استمرت في التركيز على التصوير الفوتوغرافي التقليدي رغم ظهور الكاميرات الرقمية، ما أدى في النهاية إلى تراجعها الكبير في السوق بشكل كبير.

2. التمسك بتكنولوجيا غير منافسة أو قديمة: بعض الشركات ترفض التغيير والانتقال إلى تقنيات أكثر حداثة، ما يضعها في مواجهة تحديات عنيفة أمام منافسين أكثر تطوراً. مثل ما حدث في شركة “نوكيا” التي تأخرت في تبني أنظمة التشغيل الذكية في هواتفها، ما تسبب في فقدانها حصة سوقية كبيرة بعد أن كانت في مقدمة منافسيها.

3. الإبقاء على فرق إدارة أو أقسام غير فعالة: بدلاً من تقييم الأداء بشكل مستمر لعناصر الإدارة وإعادة الهيكلة عن الحاجة، تواصل بعض الشركات تشغيل فرق إدارة أو أقسام لا تقدم قيمة حقيقية، معتقدة أن التغيير قد يكون مكلفاً أو صعباً.

4. المشاريع طويلة الأجل دون نتائج ملموسة: أحياناً، تستثمر الشركات في مشاريع طويلة الأجل رغم وضوح إشارات الفشل. ومثال على ذلك، مشروع “كونكورد” للطائرات فوق الصوتية، الذي استمر لعقود رغم عدم تحقيق أرباح تُذكر بسبب تكاليف التشغيل الباهظة.

5. عدم الاهتمام بدراسة ديناميكية السوق واستطلاع رأي العملاء بشكل مستمر: عندما تستحوذ بعض الشركات على حصة مبيعات متقدمة في السوق والأرباح مقارنة بالمنافسين، تعتقد بعض الإدارات الفاشلة لهذه الشركات أنها أصبحت فوق مستوى النقد ولا تستثمر كثيرا في معرفة اهتمامات وتطلعات العملاء أو في الأنشطة والخدمات المتميزة التي يقدمها المنافسون لجذب العملاء. وهناك العديد من شركات السيارات (بدون ذكر أسماء) كان يُضرب بها المثل في الجودة والرفاهية، ومنها ما كانت تستحوذ على المراكز الأولى في حجم المبيعات عالميا قد تعرضت لهذه التجربة حتى وصل بها الحال “للإفلاس” وبالتالي تم بيعها لشركات منافسة أقل منها بمراحل سواء في الجودة أو الرفاهية أو في قوة العلامة التجارية في السوق ، وفي أحيان أخرى تم الاستعانة بدعم هائل من الحكومات بعد استبدال كل فريق الإدارة.

أسباب التمسك بالحلول الفاشلة

1. الخوف من الاعتراف بالفشل: حيث يخشى المديرون أحياناً من الاعتراف بأن قرارهم لم يكن صائباً، خشية التأثير على سمعتهم أو ثقة المساهمين في الشركة وتظهر هذه المشكلة بشكل خاص في الشركات العائلية والمساهمة.

2. التكاليف الغير قابلة للاسترداد: عندما تكون الشركة قد استثمرت مبالغ كبيرة في مشروع أو استراتيجية ولا يمكن استرداد هذه المبالغ كليا أو جزئيا، وفي هذه الحالة يُنظر إلى التخلي عن المشروع كخسارة غير مقبولة، حتى لو كان الاستمرار أكثر تكلفة. وتزداد المشكلة سوءاً عندما تكون أموال الاستثمار من خلال قروض بنكية لها فوائد واجبة الدفع.

3. الجمود المؤسسي (البيروقراطية): عندما تعاني الشركات من تعقيدات بيروقراطية أو تنظيمية تجعل من الصعب تبني تغييرات جذرية أو التراجع عن قرارات سابقة.

4. التفاؤل المُبالغ فيه: بالرغم من أن كل التوقعات المهنية لنشاط معين تشير إلى عكس الاتجاه، يكون هناك إيمان مُبالغ فيه لدى فريق الإدارة بأن الظروف ستتغير للأفضل وأن المشروع سيصبح ناجحاً في المستقبل.

5. الضغط الخارجي: مثل رغبة المساهمين أو العملاء في رؤية تقدم في الأداء حتى لو كان على حساب المنطق خاصة إذا كانت النتائج المعلنة تؤثر على القيمة السوقية لأسهم الشركة.

آثار سياسة الحصان الميت على الشركات

• هدر الموارد: لأن الإصرار على استراتيجيات فاشلة إلى استنزاف الوقت والمال والجهد في حين يمكن توجيههم نحو مشاريع أكثر فائدة.

• تدهور الروح المعنوية: يمكن أن يشعر الموظفون بالإحباط عندما يرون جهودهم تُبذل في مسارات لا تؤدي إلى النجاح كما أنه ينعكس سلبا على حوافزهم.

• فقدان الفرص: التمسك بالسياسات الفاشلة والغرق في مشاكلها يعيق الشركات عن رؤية واستغلال الفرص الجديدة خاصة في الأسواق الديناميكية.

• الخسائر المتراكمة: وتحدث غالبا عندما يكون رأس المال المستثمر عبارة عن قروض بنكية ولها فوائد واجبة السداد. أو انخفاض قيمة أسهم الشركة في البورصة بالنسبة للشركات المساهمة.

وخلاصة القول، تُعد سياسة الحصان الميت تحدياً شائعاً في عالم الإدارة، ومعظم الشركات قد يظهر لديها حصان ميت بشكل عام أو بشكل خاص في أحد المشاريع أو الأقسام الداخلية خلال دورة حياتها ومع ذلك فهي ليست مصيراً حتمياً يجب التسليم به. ولذلك فإن الشركات التي تتبنى الشفافية والمرونة في قراراتها بالإضافة إلى تبني استراتيجية فعالة لبناء وتجهيز “الصف الثاني” في كل الإدارات تكون أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات والتغلب على التحديات.

ويبقى الدرس الأهم هو أن التمسك “بحصان ميت” لا يقود إلا إلى مزيد من الفشل والخسارة. وهنا يبرز السؤال المنطقي: كيف يكسر القادة العظماء قواعد هذه السياسة وتحويل الفشل إلى نجاح؟

هذا ما سوف نستعرضه مع حضراتكم في المقالة القادمة إن شاء الله.